فاطمة عطفة
ما هو الدور الذي يقوم به المقيّم الفني؟ وما مدى أهمية الجاليري في دعم الفنانين التشكيليين، وترسيخ حضورهم الفني سواء على الساحة الفنية المحلية أو العالمية؟ هذه الأسئلة وغيرها طالما طرحت من قبل الكثيرين الذين يتابعون المشهد التشكيلي، خصوصاً مع بروز أسماء لعدد من المقيمين الفنيين، والجاليريهات، بحيث يمكن القول إن المقيم والجايري أشبه بجناحين ذهبيين يحلق بهما الفنان التشكيلي بين المعارض المحلية والخارجية، وبالتأكيد فإن ثراء تجربة الفنان وأعماله هي الفيصل الأول والأخير في تقديم تجربة استثنائية أطرافها: فنان.. ومقيم.. وجاليري.

في البداية يقول الفنان التشكيلي محمد كاظم: كان هناك تقليد معروف في المنطقة بشكل عام، ولم يكن موجود شيء اسمه «قيّم فني»، بل كانت هناك معارض جماعية والمعرض السنوي في دولة الإمارات، إلى جانب معارض جمعية الفنون التي تضم أعمالاً فنية من المواطنين والعرب والأجانب. وعندما تشكل بينالي الشارقة أصبحت هناك مشاركات فردية تتم بدعوات من القائمين على تنظيم المعرض ولم يكن المدير الفني موجوداً.
ويشير كاظم إلى أنه في عام 2003 كان أول بينالي فني شاركت فيه شبكة تقييم عالمية لاختيار الفنانين، وكان التركيز حول الفن المعاصر وليس على الفن التقليدي، ولهذا السبب فإن كثيراً من الفنانين الإماراتيين عرضوا أعمالهم في ذلك البينالي الذي تم فيه التركيز على النوعية، ومن ثم صدر أول دليل في دولة الإمارات حيث تم تكليف نقاد فنانين لكتابة مواد فنية خاصة بالفن المعاصر، وقد تكفلوا بإنجاز أعمال التكاليف التي نراها اليوم.
وفيما يتعلق بالدعوات التي تأتي للفنان بالمشاركة في المعارض، يوضح كاظم أنها تتم عن طريق القيّمين والمستشارين الفنيين الذين يختارون الفنان المشارك، وفيما بعد تتم مراسلة الدولة لمساعدة الفنان من ناحية الإنتاج أو شحن الأعمال.
وأضاف مبيناً أن البيناليات لا تضم لوحة تقليدية، بل لوحة معاصرة تطرح قضايا معينة. ويرى كاظم أن على الفنان أن يتطور ويجدد في عطائه مقتبساً من الفنان الألماني جوزيف بويس قوله: «إلى متى تريد أن تقف عند خطوتك الأولى؟»
ويشير كاظم إلى الأعمال الفنية التي أقيمت في الأماكن العامة في أبوظبي بمعرض «منار»، وهو معرض مهم لتجربة ضخمة في إمارة أبوظبي، مؤكداً أنه لا يمكن أن نرى أعمالاً بهذه الضخامة بدون وجود قيّمين فنيين يشرفون على بناء هذه الأعمال الفنية، ومنها أعمالي وأعمال حسن شريف في معرض الخمسة بمنتدى لودفيج العالمي بألمانيا عام 2002. ونحن كفنانين معاصرين تأتينا دعوات من مختلف أنحاء العالم، حيث تتم الدعوة عن طريق القيّمين، والجاليري يمكن أن يساعد في ذلك أيضاً. ويلفت كاظم الانتباه إلى التطور الذي طرأ على الفن والتخصصات التي لم تكن موجودة مثل «مصمم المعرض»، كما يتم سؤال الفنان عن احتياجاته إن يريد غرفة مظلمة مثلاً، وهناك أيضاً تحرير وتصوير الأعمال ووضع القوانين، وكل هذا يعود للقيّم.

أكثر من فائدة
من جانبه، يقول الخطاط الفنان محمد مندي: مشاركة الفنان الإماراتي خارج الدولة لعرض أعماله فيها أكثر من فائدة، حيث إن عرض الفنان الإماراتي إبداعاته وأفكاره في الخارج تفيد في اطلاع جمهور الأجنبي على الأعمال الفنية للمبدعين الإماراتيين. وهناك عدة فنانين وصلوا إلى مرحلة متميزة على المستوى المحلي وعلى مستوى الخليج، لكن عندما ينتقل الفنان الإماراتي إلى أوروبا لا بد أن يفكر في تقديم أعمال ذات صبغة عالمية، تعالج قضية إنسانية من خلال تجربته اللونية والفكرية وتجربته في دمج الألوان أو التعبير عن الفكرة، سواء كان بالخط العربي أو بالرسم أو دمج الخط العربي مع الرسم.
وتطرق مندي إلى تجربته خارج الإمارات قائلاً: كنت أتصور أن فني محلي ولا يرتقي إلى مستوى عالمي، لكن عندما عرضت في معرض بالصين أكثر من 25 لوحة وجدت إقبالاً كبيراً، ومن خلال الحضور والثناء على أعمالي شعرت باعتزاز كبير بالتجربة وأن الفن الحقيقي لا حدود جغرافية له، فقد وجدت زوار المعرض في الصين يدققون في كل شيء باللوحة، من البرواز إلى مضمون اللوحة ومحتواها وأفكارها، وألوانها. كذلك وجدت الشيء نفسه خلال معرضي في اليابان، حيث شهد حضوراً كبيراً من الجمهور الذين كانوا يريدون أن يتعرفوا على فن الخط العربي وعلى الفنان نفسه.
وتابع مندي: لقد عرضت أعمالي في اليابان والصين وبريطانيا وباريس والنمسا وسلوفاكيا، ولقد استفدت كثيراً وأعددت نفسي على أن تكون مشاركاتي القادمة أفضل. وحين أقوم بزيارة بعض المعارض العالمية، أنظر إلى التطور الذي يجري في تلك البلاد ومستوى الفنانين وما يقدمون من جديد، وعندما يطلع الفنان كثيراً على التجارب العالمية يعمل بشكل أفضل للمعارض القادمة.

تنسيق وتشاور
يقول خالد المطوع، صاحب «جاليري الاتحاد»: «يتم اختيار الفنانين الذين يمثلون «جاليري الاتحاد للفن الحديث» وفق سياقات محددة وصارمة في الوقت نفسه. وفي الغالب يتم التشاور بيني وبين الإدارة المكلفة بالإشراف على العمل، سواء كانت الأعمال المقدمة لفنان إماراتي أو عربي أو عالمي، فنحن في «جاليري الاتحاد» ننظر إلى التجربة بمعزل عن الاسم، لذلك نحتفي بكثير من التجارب الجديدة ونمنحها الفرصة إذا كانت تستوفي شروط العمل الاحترافي. ويشير المطوع إلى أنهم يحتفون بالفنانين الإماراتيين وبتجاربهم، سواء كانوا من الرواد أو من الفنانين الجدد.
ويبيّن المطوع أنهم عرضوا خلال السنة الأخيرة أعمالاً لعدد من الرواد، ومنهم: عبد القادر الريس، وفاطمة لوتاه، وعبد الرحيم سالم، كما عرضوا لفنانين من الجيل اللاحق، ومنهم: الفنانة كريمة الشوملي، وسوسن خميس، وخلود الجابري، إضافة إلى أنهم عرضوا تجارب جميلة لأكثر من عشرين فنانة وفناناً إماراتياً من الشباب.
ويوضح المتطوع قائلاً: هذه مساحتهم ويهمنا في الجاليري منحهم الفرصة لتطوير أدواتهم ومواهبهم. أما عن العوامل التي يعتمدها الجاليري في اختيار الفنان.  
ويقول المطوع: لكل فنان تجربته الخاصة وخاماته ومعالجاته وموضوعاته المختلفة. وهناك معايير شخصية تحدد إعجابنا بهذا العمل دون غيره، أو بهذه النوعية من المعالجات دون غيرها. أما العمل في الجاليريات فيكون مختلفاً لأنه غير خاضع للمعيار الشخصي، بل يجب توفّر مجموعة واسعة من الخبرات لدى المشرف على اختيار الأعمال، وكذلك معرفة جيدة بسوق الفن ومتطلباته مع ضرورة توفر الجودة والاحترافية في العمل الفني المؤهل للعرض.

لغة عالمية
وتحدث المقيّم الفني صلاح حيثاني حول شروط التمثيل في الجالريهات قائلاً: «الفن كالموسيقى، لغة عالمية يشترك فيها الجميع، حيث نجد ذات المعالجات والتقنيات في أعمال لفنانين من دول وثقافات مختلفة. وقد تفرض البيئات وطرائق تدريس الفن مجموعة من السياقات، ولكن تأثيرها يبقى محدوداً إذا ما قسناه بالمشتركات الكثيرة في العمل الفني».
ويضيف حيثاني موضحاً أن الجاليريهات تختار مجموعة من الفنانين لتمثيلهم في المحافل والمعارض المختلفة بسبب اقتراب عمل الفنان من سياسة الجاليري الجمالية، فلكل جاليري هوية خاصة تميزه عن غيره، فهناك جاليريهات تحتفي بالأعمال التركيبية وجاليريهات أخرى تراهن على المدرسة التعبيرية، بينما نجد أخرى تميل للتجريد، وهذا التنوع يؤدي بالضرورة إلى توسيع أفق الفنان والمتلقي معاً، خصوصاً ونحن نتحدث عن مجتمع منفتح على مجموعة واسعة من الثقافات بكل تمظهراتها الفنية والأسلوبية.
ولفت الحيثاني إلى أن هناك عبارة حصيفة تقول: «الفنانون ينحدرون من شجرة واحدة، فلا فرق بين خامة وأخرى ولا سطح وآخر، فالعمل الفني هو سيرة داخلية للفنان ورئة كبيرة للجمال».