سعد عبد الراضي
يعد ترميم المخطوطات غاية في الأهمية، باعتباره الملاذ الأخير للحفاظ على الموروث العالمي بأشكاله كافة، وربما يصلح هنا أن نستخدم هذا المصطلح (لا تقل ترميم المخطوطات.. قل: إنقاذ التاريخ)؛ لأن عمليات الترميم تحمل في حقيقتها عملاً يتجاوز الحفظ والأرشفة، إنه عمل إنقاذي بمعنى الكلمة، إنقاذ للتاريخ والإبداع والتراث الإنساني، وهو نهج أصيل لدولة الإمارات، يتجلى واضحاً ضمن جهودها ومشاريعها الكبرى لحفظ التراث محلياً وعربياً وعالمياً، وتتعدد الجهات والمؤسسات المعنية بهذا الدور، وفي مقدمتها الأرشيف والمكتبة الوطنية، كما أثبت مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، في دبي، ومنذ تأسيسه عام 1991 ريادته، باعتباره أبرز الهيئات العلمية العربية والعالمية العاملة في مجال ترميم وحفظ المخطوطات، حيث يضم قسماً للحفظ والمعالجة والترميم أصبح يتطور منذ إنشائه في عام 1992 ليصبح حالياً الأول عالمياً، سواء من حيث كم المخطوطات التي ترمم فيه، أو من خلال المهارات والآليات المتبعة والأجهزة الخاصة المستخدمة في عمليات الترميم والمعالجة، فمن حيث الكم فإن المركز يرمم شهرياً أكثر من 8000 ورقة مخطوط، وما يزيد على 40000 ورقة مطبوعة، وأكثر من 3000 كتاب، ولديه خمسة أجهزة مصنعة محلياً تحمل اسم ماجد، كما أن المركز اشتهر عالمياً بأنه الوحيد الذي يعالج الحالات المستعصية للمخطوطات، وأعاد صناعة الورق الذي كان يستخدمه القدماء في كتابة المخطوطات والمطبوعات.

بداية، يقول الدكتور بسام عدنان داغستاني، رئيس قسم الحفظ والمعالجة والترميم في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي: بدأنا في أعمال الترميم في شهر أغسطس من عام 1992، حيث افتتحنا قسم الحفظ والمعالجة والترميم، وكان عدد موظفي القسم في بداياته قليلاً، كما كانت الأعمال التي نعمل على ترميمها في ذلك الوقت محدودة، إلى أن توسعنا، وأصبح مشروعاً مهماً جعل جمعة الماجد يطلق مقولته الشهيرة: «أنا مسؤول عن كل مخطوطة في العالم»، ومنذ هذه اللحظة، بدأنا في التطور حتى حققنا الانتشار وأسسنا «المدرسة العربية للترميم».

عمل متكامل 
عن مسارات العمل في قسم الحفظ والمعالجة والترميم، يقول داغستاني: «هدفنا هو تغطية الأعمال اللازمة كافة تحت سقف واحد، لكل الحالات والإصابات التي تحتاج إلى ترميم، بحيث عندما يدخل المخطوط أو الكتاب إلى القسم ويخرج منه لا يحتاج إلى أي عمل لاحق في المستقبل، والحمد لله حققنا هذا الهدف»، مؤكداً أن القسم يضم خمسة أجهزة قام المركز بتصنيعها، وهي أجهزة الماجد للترميم الآلي، والتعقيم والمعالجات الأولية والتنفيذ والتدعيم الحراري، مشيراً إلى أن المخطوطات تختلف عن المطبوعات على الرغم من أن كلاً منهما له أهمية كبيرة، وأكد أن المخطوطات حساسة جداً للمناخ المحيط بها، بينما المطبوعات أكثر قدرة على التحمل، الأمر الذي دفع المركز إلى تطوير التجهيزات التي تساعد في عملية الإنتاج، ومن ثم تصنيع هذه الأجهزة الخمسة، التي ساعدت كثيراً في تحقيق الإنتاج الضخم الذي قدمه القسم خلال السنوات السابقة ومازال. واستطرد داغستاني قائلاً: «قمنا بنشر هذه الأجهزة في جميع أنحاء العالم، وافتتحنا 52 وحدة ترميم في أكثر من 45 دولة عربية وإسلامية، مما ساهم في تعزيز الحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي، وأنقذنا عشرات الآلاف من المخطوطات والمطبوعات في العالم».

الحرفة والعلم
أشار الدكتور بسام عدنان داغستاني إلى أن العمل في القسم يرتكز على أمرين هما الحرفة والعلم، فلا بد أن يكون المرمم لديه حصيلة علمية جيدة حتى يستطيع التعامل مع هذا الأثر المرمم، بالإضافة إلى أن يكون لديه خبرة عملية حقيقية في العمل الترميميم، حتى يقوم بالعمل بالطريقة الصحيحة، ولا يؤدي إلى تلف المخطوط أو المطبوعة. وأول مرحلة من مراحل الترميم هي التعقيم، فأي مخطوطة أو كتاب يأتينا نقوم في البداية بعملية تعقيمه باستخدام النيتروجين عبر جهاز خاص، لنقضي على كل الآفات البيولوجية داخل الكتاب أو المخطوط، من حشرات أو فطريات أو بكتيريا، ثم تأتي عملية التنظيف الجاف، حيث يتم تخليص الكتاب والمخطوط من الأتربة والغبار الموجودة فيه؛ لأنهما مضران جداً بالأوعية الورقية، ثم تأتي المعالجات الطبيعية والمعالجات الكيميائية إذا كان تم الاحتياج لهما.
وأكد داغستاني أن المرحلة المتعلقة بالترميم تتم بطريقتين: الطريقة اليدوية، وتتم في المخطوطات والوثائق التاريخية؛ لأنها مسؤولية كبيرة تحتاج إلى اهتمام وحرص شديد، لأن أي تلف يحدث بها لا يعوض، ولهذا يجب أن يكون المرمم على وعي ودربة كاملين، أما الترميم الآلي فهذا خاص بالمطبوعات، ورغم أهميته إلا أنه أقل مسؤولية من المخطوطات، ولا يحتاج إلى مهارة عالية من المرمم، فقط يكون على علم بحساب كميات المواد الكيميائية التي يتم وضعها في الجهاز، مثل السيليلوز، وغيره من الألوان الطبيعية، والمطبوعات، وبعد الانتهاء من هذه الأعمال كلها، تنتقل المجموعات التي تم تعقيمها وتنظيفها ومعالجتها وترميمها إلى أماكن الحفظ التي توضع لها شروط صارمة لا يمكن التقصير فيها، ومن بين تلك الشروط الدقيقة: درجات الحرارة والرطوبة والبيئة المحيطة بالكامل تجنباً لتسرب أي مياه أو حدوث حريق؛ لذلك يتم الحفظ في ظروف وفق الآليات المتبعة التي تلبي احتياجات الحفظ كافة بشكله العلمي الصحيح.

آلاف المخطوطات 
عن مصادر المخطوطات والمطبوعات، أكد داغستاني أن «مركز جمعه الماجد في تواصل مع أنحاء العالم كافة، ومحلياً تأتينا مخطوطات ومطبوعات من الوزارات والمؤسسات والإدارات المختلفة، وكذلك من دول مجلس التعاون الخليجي، كما أن آليات التسلم والتسليم تتم وفق ضوابط محكمة للحفاظ على المخطوطات والمطبوعات من أي إصابات، حيث نرمم ونجدد شهرياً أكثر من 8000 ورقة مخطوط و3000 كتاب، وأكثر من 40 ألف ورقة مطبوع».
وعن موقعه العالمي بين مراكز الترميم حول العالم، أكد أن مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث يُعد رقم واحد في العالم في مجال الترميم، من حيث الكمية والنوعية. كما أن مركز جمعة الماجد هو الوحيد في العالم الذي يصنع الورق بشكل كامل بل ويعيد إحياءه، حيث نصنع الورق بأنفسنا باستخدام مواد طبيعية، مثل القطن وغيره من المواد الخام التقليدية التي كانت تُستخدم في صنع أوراق المخطوطات منذ القدم، وأكد أن الورق يُعتبر منتجاً استراتيجياً لأي دولة، ولهذا فإن عملية صنعه والحفاظ عليه تُعد أمراً حيوياً. ولهذا فإن المخطوطات التي تصل إلينا من جميع أنحاء العالم، تُعالج وتُرمم بأفضل الطرق الممكنة.
ولفت داغستاني إلى أن مركز جمعة الماجد معروف عالمياً كمركز للحالات المستعصية: «حيث تأتي إلينا حالات من أميركا واليابان ومختلف دول العالم، فنعالج المخطوطات التي لا يمكن لأي مركز آخر في العالم ترميمها، ونحافظ على المخطوطات حتى لو كانت نسبة الأمل في ترميمها ضعيفة». 
وأكد أن التراث العربي والإسلامي غني بالمخطوطات، ولا توجد حضارة أخرى على وجه الأرض قد أنتجت مثل هذا الكم الهائل من المخطوطات. ونحن نعمل بدورنا في الحفاظ على هذا الإرث الثمين؛ لأن المخطوطات هي شهادات الأمة، وأي أمة لا تحافظ على إرثها تعد أمة فاشلة.