هزاع أبوالريش (أبوظبي)
في ظل حضور المؤلفات الرقمية والإصدارات الإلكترونية، أصبح هناك تنافس شرس بينها وبين الورقية، ورغم أن لكل منهما جمهوره وحضوره في المشهد المعرفي، لكن يبقى الصراع حديث الشارع الثقافي، سواء مع أو ضد الفكرة، خاصة وأن الكثير من الإصدارات الورقية تلاشت في ظل وجود المؤلفات الإلكترونية، والتي لا يمكن للقارئ أن يتمتع بتفاصيل ما تخفيه بين دفتيها إلا بملامسة صفحاتها، وشمّ رائحة تلك الورقات التي تسكن في وجدان القارئ ليشعر بالنشوة والتناغم مع مضمون ما يقرؤه، وهذا ما توفره الكتب الورقية.
تتعدد الآراء بين الاختلاف، والتشابه في الوقت نفسه، لكن تبدو الفكرة واحدة، ألا وهي، إلى أين يتجه القارئ، وما الذي يفضله في ظل الحضور الرقمي، والتطور التقني، وما مصير هذا التنافس الذي سبب جدلاً واسعاً في الساحة الثقافية؟ ليظل الأمر هاجساً عالقاً في طيات الفكر الإنساني لدى الكثيرين عبر التنافسية ما بين الورقي والإلكتروني، داخل دائرة الانسجام والاختلاف، والحضور والانتشار، لكن الصورة الإيجابية التي ترتسم على المشهد تبقى تكاملية، وتحمل ذلك التناغم المفعم بالحضور الإبداعي والتألق المعرفي.
صراع وتنافسية
وفي هذا السياق، قال الكاتب محمد الجوكر: هذه أصبحت ظاهرة عالمية، وحديث العالم أجمع، حول التنافسية التي تشهدها اللحظة الراهنة ما بين الحالة الورقية والرقمية أو الإلكترونية بكل أصنافها سواء كانت إصدارات ومؤلفات أدبية أو صحف ومجلات وما شابهها، فحتى الصحف اليوم تقلصت عدد صفحاتها الورقية إلى النصف، ولكن تبقى الصحافة التقليدية هي الأساس وهي المصدر الحقيقي لأي حدث لأنها تمثل الموضوعية والمصداقية بلا شك، وكذلك المؤلفات والإصدارات الورقية لها بريقها ورونقها وروحها التي لا تغيب، فالمسألة أصبحت حالة وجدانية بيننا وبين القراءات الورقية، موضحاً: «أنا من أنصار الكتابات الورقية لأنني عشت فيها تجربتي ومشواري لعشرات السنين، فمن الصعب أن أهجرها على الرغم من اطلاعي أحياناً على الإصدارات الإلكترونية».
وأضاف الجوكر: بما أننا اليوم نعيش عصر الذكاء الاصطناعي والابتكارات الجديدة التي غزت الساحة الإعلامية والثقافية، فلابد من إعادة سياسة العمل الإبداعي للإصدارات والمؤلفات، وكذلك التحريري للصحف الورقية، وأن تكون لها شخصيّة واستقلالية في الطرح وتبتعد عن الأسلوب القديم لكي تتقبلها الأجيال الجديدة، لأننا أمام معركة إعلامية ثقافية حقيقية بين جيلين، الحديث والقديم، وهذه أزمة مستمرة بين الإلكتروني والورقي، لأنهما ربانا قطار العمليتين ما بين القديم والجديد.
أميل للورقي
وأضافت الشاعرة مريم النقبي، رغم الطفرة الكبيرة في مجال الإصدارات والكتب الإلكترونية في وقتنا الحالي، إلا أن المؤلفات والإصدارات الورقية لا تزال تستهوي عدداً كبيراً من هواة القراءة، مؤكدة «أنا شخصياً أميل لقراءة الكتاب أو الإصدار الورقي، لما للورق من سحر وتأثير خاص على القارئ، ومما لا شك فيه أن لكل نوع محاسنه وسلبياته فالكتاب الورقي يحتاج إلى حفظ واهتمام، كما أن أسعار بعض المؤلفات قد تكون مكلفة وباهظة، لذلك اتجه الكثيرون من الكتاب والمؤلفين إلى إصدار المؤلفات إلكترونية لضمان وصولها إلى شريحة واسعة من القراء والمتلقين». وأضافت «لكي لا نهضم النوعين حقهما في الحضور والانتشار، أرى أن يتم اعتماد الطريقتين للكتاب أو الإصدار في آن واحد، ويبقى الهاجس الذي يشغل فكر الشغوفين بالقراءة الورقية أن يندثر هذا النوع من الإصدارات تماشياً مع وتيرة سرعة الحياة والطفرة التكنولوجية.
أسرع وأسهل
وقالت الإعلامية سلوى الحوسني «في ظل الظروف الراهنة، والتطور المذهل الذي نشهده، لا شك أن تتأثر بعض الممارسات التي اعتدنا عليها، ومن ضمنها الممارسات الثقافية والمعرفية بشأن الاطلاع والقراءة، فاليوم أصبح الجميع يستثقل حمل المؤلفات والإصدارات والكتب الورقية، فأصبحت الكتابات الإلكترونية أسرع وأسهل في البحث والمتابعة والقراءة»، لافتة إلى أننا نلاحظ أغلب المكتبات تستخدم «الفلاش مومري» بدلاً من الكتب التي تأخذ حيّزاً ومكاناً وتحتاج إلى الكثير من العناية والاهتمام.
غذاء للعقل والروح
أشارت سلوى الحوسني إلى أن وجود الإصدارات والمؤلفات المسموعة كذلك سهّلت على القارئ أن يصل إلى ما يريد بكل سلاسة ومرونة، حيث تبقى المسألة أخف وطأة من قراءة الكتب والبحث عن مساحات فارغة في حياته اليومية لأن يحصل على فرصة للقراءة، وقالت: «بالنسبة لي القراءة سواء ورقية أو إلكترونية، فهي غذاء للعقل والروح، ويجب أن تلامس مشاعر القارئ وذائقته ووجدانه».
تسكن الوجدان
أكد الكاتب والإعلامي وليد المرزوقي أن الإبداعات الورقية لن تختفي ولن تغيب أو تتلاشى، ستبقى حاضرة كونها تسكن في وجدان القارئ، مهما بلغ الأمر من تطور تقني، فإن رجعنا للتاريخ منذ اختراع المذياع ومن ثم التلفزيون والكمبيوتر والأجهزة اللوحية، فإن ذلك كله لم يؤثر على الورقي الذي ظل محافظاً على مكانته، وتابع: «الدليل على ذلك الإقبال الشديد حتى اليوم على معارض الكُتب الدولية، واستمرارية الإصدارات والمؤلفات لتكون حاضرة بين جمهورها وقرائها، لما لأهمية الورقي ومدى تأثيره على النفوس، ومكانته الحصينة والرصينة والثابتة في الوجدان».