محمد نجيم (الرباط) 

يعتبر الفنان المغربي نور الدين ضيف الله من رواد الخط وفنونه في العالم العربي، تحمل أعماله سِمات جمالية تعبر عن روحانية الخط المغربي والإسلامي وصوفيته وتنفرد بسيولتها التي تستحضر غنى التراث الإسلامي وفق ضوابط وخاصيات جمالية صارمة، تقوم على تعدد الأشكال والتعابير والزخارف المغربية والأندلسية بتوازن إبداعي ورؤى ترتكز على المقومات الفنية والجمالية، أعماله تمنح المتلقي دلالات بصرية وحسيّة تضيء المعتم في الروح وتدعو إلى طرح أسئلة لتفسير العمل الفني وفك شفراته ومقاربته بتأويلات جمالية وتساؤلات فلسفية.
قبل أن يعرض الخطاط والفنان نور الدين ضيف الله أحدث أعماله في مدينة مراكش، قدم إبداعاته ببلدان أوروبية بينها فرنسا وإيطاليا والبرتغال وفي عدد من بلدان العالم العربي، كما توجت أعماله في بينالي إسطنبول.
نسيج الحروف
وفي شهادته عن أعمال ضيف الله في هذا المعرض، قال الناقد محمد الراشدي «ينسج ضيف الله الحروف في أعماله الأولى التي وظف فيها الخط حد الإشباع، إلى درجة أن مساحات اللوحات تغطى تقريباً كلها بالكتابة المتعددة الألوان، حروف ينتهي بها الأمر لأن تصبح غير مقروءة والتي لفرط ازدحامها وتشابكها في شرائط أفقية وعمودية، أو بطريقة اندماجية مستغلة المركز والحواف تصبح شبيهة بالأنسجة أو الزرابي المعلقة، لكون ضيف الله يستعمل ورقاً مطبوعاً وممزقاً إلى قطع عديدة من الكتابة، شذرات متداخلة، خليط من الكتابات يجعلها في تقابل مع حروف مخطوطة بشكل غير متناسب.
إبداع محلّق
إن هاجس المخطوط عند ضيف الله عبر استثماره للحقل الكتابي ولفن الخط، هو جعل الكتابة بكل تأكيد، غير مقروءة من أجل إظهار الجانب التشكيلي وجعله مرئياً بشكل أفضل، فهدف الفنان هو البناء وليس التدمير، يستعمل ضيف الله مختلف الأحجام للحروف أو ما يشبه الحروف، بتنويع ذخائره الخطية، بطريقة يحدث فيها داخل فضاء أعماله عبر تضادّ خطّي، توتراً بين السطح والعمق، ويحدث أحياناً أن بعض حروفه وكتابته تعطي الانطباع أنها تغادر إطار اللوحة كي تتفتح خارج الإطار، كما لو كانت تتكشف في فضاء المشاهد، مما يجعل الفناء ينتظم بين النتوءات والمنخفضات.
«وفياً لحروفيته»
بيد أن الفنان، على الرغم من هذا الإدراك، كما يقول الناقد الفني فريد الزاهي «ظل وفياً لحروفيته، مشتغلاً عليها بشغف وحب، يراودها عن منفتحاتها، يفككها ويعيد الاشتغال عليها بشكل شخصي، هذا التأرجح لم يكن تذبذباً بقدر ما كان سعياً حثيثاً لترويض ممارسة ثابتة في التاريخ والجماليات الإسلامية.