فاطمة عطفة (أبوظبي)

تشكل الترجمة جسراً ثقافياً مهماً بين الأفراد والشعوب، واطلاعنا على ألوان من الأدب العالمي لم يكن متيسراً في الغالب إلا بفضل الترجمة، كما أن اطلاع الآخرين على نماذج من أدبنا العربي لا تتم إلا من خلال ترجمة هذه الأعمال إلى لغات الشعوب الأخرى مباشرة أو بوساطة لغة ثالثة، وقد صدرت للأديبة صالحة عبيد مجموعة مختارة من قصصها مترجمة إلى اللغة البرتغالية المكتوبة واللغة الموزمبيقية المحكية، وفي حديثها لـ «الاتحاد» تحدثت عن هذه الترجمة في مشروعها الأدبي وما أضافته لتجربتها.
في البداية تقول الكاتبة صالحة عبيد: أنظر لهذه الترجمة باعتبارها تجربة جديدة لأفق جديد على مستوى التلقي، كيف سيرانا القارئ الآخر البعيد ويتفاعل معنا، ملتقطاً تشابهاتنا الإنسانية المشتركة، هذا من ناحية، أما الناحية الأخرى التي جعلتني أتحمس للعمل مع هذه الدار هو أن الترجمة جاءت على مستويين: الأول بترجمة للغة البرتغالية، وهي اللغة المكتوبة في موزمبيق، والثانية هي الأصوات المتعددة التي ترجمت القصص بلغة القبائل الأفريقية هناك، وهي لغات محكية، وجزء من رسالة دار «ترينتا زيرو نوفا» هو أن تحفظ هذه اللغات من التبدد عن طريق مشاريع ترجمة للقصص من جميع أنحاء العالم، وعن طريق مسابقات ترجمة يقوم عليها متخصصون لمنح عملية الترجمة شيئاً من الحيوية واللاتقليدية، وكنت سعيدة باختيارهم لقصصي وتفاعلهم معها لتتم ترجمتها.

التفاعل البصري
وتضيف عبيد: «كان الجانب الفني البصري للعمل على هذه الترجمة مهماً، حيث تم العمل على مجموعة لوحات وقع اختيار إحداها للغلاف من قبل فنان موزمبيقي، وكان من الممتع رؤية تفاعل الآخر بصرياً مع شخوص القصص التي كنت أراها أقرب ما تكون لعالمي الذي عبرت عنه في قصصي»، موضحة أن دار النشر تعمل أيضاً على حفل إطلاق خاص للعمل يمازج كل هذه التقاطعات، بين الشفاهي والمكتوب، وهو أمر ما كان له أن يحقق التجانس لولا الترجمة، مؤكدة أنها تتطلع شخصياً لنتيجة هذا العمل في رحلتها القريبة المرتقبة إلى هناك.

الفكرة الأهم 
وفيما يخص الأسئلة المتعلقة بأن الرواية أخذت تحتل صدارة المشهد السردي أكدت عبيد أنها تتكرر كثيراً، قائلة: «أظن أن إجابته بالنسبة لي في هذه المرحلة ستكون أن الفكرة وآلية تنفيذها هي ما يخلق الجودة، بعيداً عن الجوائز وصخبها»، وهي ترى أن العمل الجيد في النهاية يبقى، والزمن يغربل ما سيعود إليه المتلقي مراراً، وتؤكد ذلك قائلة: «لننتظر فقط ونرى كيف يتحمس القراء الحقيقيون مع الوقت للعمل الجيد بعيداً عن جنسه وقولبته، فاللغة فضاء شاسع والمخيلة أكثر رحابة من حصرها في قالب أو تصنيف».
وحول موقع الشعر من الأجناس الأدبية الأخرى، تقول عبيد: «الشعر موجود دائماً، وأظن أن كل مجاز نصنعه هو مشروع قصيدة ما، لكن فكرة التعاطي مع الشعر بنفس مستوى التعاطي مع الرواية والقصة أظنها فكرة لا منطقية»، مبينة أن الطريقة التي تولد بها القصيدة وتنمو في تلك الدفقة الوجودية للشاعر المتمكن مختلفة عن الآلية التي يبني فيها السارد قصته أو روايته وهو يمنهج الحدث ويراكم التفاصيل على مراحل.
وتشير عبيد إلى أن الشعر لم يعد منبرياً، ولربما كانت مرحلته هذه هي مرحلة التأمل في معنى الوجود، والقصيدة من الداخل الحي والحيوي الهادئ بعيداً عن صراخ المنابر الذي يعتمد على التشبيهات والمحسنات الفارغة من الاشتغال على المعنى العميق للقصيدة.

صناعة الشخوص
أشارت صالحة عبيد إلى أن مشروعها القادم عبارة عن عمل سردي جديد جاء برعاية من وزارة الثقافة الإماراتية، ضمن برنامج المنح الإبداعية، وتقول عنه: هو عمل آخر أجرب من خلاله التفاعل مع فكرة الموسيقى والجسد في مجتمعنا، وما يتخلل ذلك من تواريخ وتشابكات في المجتمع، بالإضافة لكوني من خلاله أختبر تجربة شخصية جديدة من خلال صناعة الشخوص السردية، وهو أمر سأتحدث عنه لاحقاً بشكل تفصيلي في المناسبة الخاصة التي نعمل عليها لإطلاق هذا العمل.