محمد عبدالسميع (الشارقة)

قرار جمعيّة المسرحيين الإماراتيين بأن تكون هناك مناسبة تحت مسمّى «اليوم الإماراتي للمسرح»، كمناسبة احتفائيّة، وأيضاً كإعلان لفرحة دولة الإمارات العربيّة المتحدة بالمنجز المسرحي لـ «أبو الفنون»، هو قرارٌ مبررٌ بالإبداع والمعرفة وإدارة الفعل المسرحيّ المتميّزة، وكلّ ذلك يتكلل برؤية الجمعيّة في الاحتفاء بروّاد المسرح ومؤسسيه والنابهين فيه، الذين أخذوا على أنفسهم عهداً بأن يبقى هذا الفنّ الأصيل عربياً وعالمياً، متوهجاً، ولذلك، كان اختيار يوم ميلاد صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، يوماً للمسرح الإماراتي، وفي هذا نقرأ أكثر من رسالة ثقافيّة للعرب والعالم. هذه الرسائل تتضمّن بدايةً أنّ من أخلصوا للمسرح يكافأون ويُحترمون معنوياً ،ويقدر إنجازهم ودعمهم ومتابعتهم لهذا الفن.
الأمر الثاني أنّ دولة الإمارات العربية المتحدة نفسها، قدّمت للمسرح المحلي في الإمارات، وللخليج وللعرب، كلّ الدعم والمؤازرة، بل لقد تنافذت على محيطها العالمي في الفنّ والثقافة والمعرفة، وكان لها أيادٍ بيضاء على هذا الفنّ الذي جسّد الملاحم الإنسانية والأفكار والرؤى التي حملت الإنسان إلى (الآخر) وعرّفت به، وقدّمت مشروعه الذاتي للإنسان.
أفكار الحياة وتجلياتها
اهتمام جمعية المسرحيين الإماراتيين بيوم إماراتي للمسرح، أمرٌ حضاريٌّ يؤكد  أهمية المسرح في سلوك الناس وحياتهم وأفكارهم وتطلعاتهم ورؤاهم.
كما أنّ ربط يوم الحفاوة بالمسرح الإماراتي بيوم ميلاد صاحب السّمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، هو انعكاس لشخصيّة فكريّة وثقافيّة، أدركت مبكّراً أنّ المسرح هو بوابة للحياة والأفكار وتطور المجتمعات، ولذلك يكفي أن يذهب دارس المسرح الإماراتي إلى محرّك البحث الإلكتروني، فيبحث عن مؤلفات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي العديدة، الذاتية ونصوصه الأدبيّة، فيقرأ «سرد الذّات» مثلاً، كسيرة عذبة وغنيّة، ويعيش أجواء نصوص مسرحيات سموه، التي كتبها، والتي خطّ فيها أفكار سموه الرؤيويّة المهمّة، مثل مسرحيّة «كتاب الله: الصراع بين النور والظلام»، التي اشتملت على جوهر الدين السمح الحنيف، وحضور هذا الدين كعامل إنساني في رقيّ الشعوب، وأنّ كلّ من يريد أن يحرف هذا الدين عن وجهته فهو لا يعمل لمصلحة البشرية، وبالتالي جاءت المسرحية بكلّ ما فيها من تجسيد وعنفوان لتحمل كلّ ذلك إلى العالم، ويمكن في السياق التمثّل بمسرحية «النمرود»، وهي مسرحيّة سارت في الاتجاه ذاته، وكانت تعبّر عن رؤى الشيخ الحاكم الأديب الشاعر المفكر الباحث، الذي أخرج لنا في دارته الغنيّة بمقتنياته من نوادر الكتب وأمّهات المخطوطات وروائع الدراسات، الكثير، لدرجة أنّه ذهب يستجلي حتى الخرائط والجغرافيا والتاريخ والأنساب، ويصحح معلومات مغلوطةً في المنطقة والعالم، حول ظواهر معينة، وينتصف للإمارات في حضورها الجغرافي والتاريخي، ويقرأ المنطقة قراءةً منصفةً وعميقةً تدلّ على سعة علم سموه ووعيه وغزارة أفكاره.
من مسرحيات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي أيضاً، والحديث فيها يطول، مسرحيّة «طوغورت»، و«داعش والغبراء»، و«علياء وعصام»، و«الحجر الأسود»، و«شمشون الجبّار»، وهي مسرحيات تضيء عناوينها على فترات زمنية ورسائل حضاريّة وأفكار ذكيّة ورؤية مسبقة وتصوّر فكري واسع، وجميعها كانت محلّ إشادة وقراءة وتدبّر لمعانيها وأفكارها النيّرة المستنيرة، وأبعادها الإنسانيّة في هذا العالم.
الهيئة العربية للمسرح
أمّا «الهيئة العربية للمسرح»، فهي إحدى تجليات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، في أن تكون هناك هيئة عربيّة تدعم الأفكار وتنفذها على أرض الواقع، فحين تمدّ الإمارات يدها إلى العالم العربي والعالمي، وتمنحهم الفرصة الكافية لأن يتجاوزوا معضلة المال، أو تحدي تكاليف المسرح وتجهيزاته ومقارّه وتنفيذ أفكاره.. فإنّ في ذلك خيراً كبيراً على الفنّ عموماً وحضارة الإنسان، وكم من مهرجان عربي دعمته الشارقة، وأكدته وأقامته، وكم سافرت هذه الهيئة العربية للمسرح إلى بلدان العرب، لتحتفي معهم بالمسرح، وهو ما يؤكّد حضور «أبو الفنون» لهذه الدول العربية، حتى بات انتظار مهرجان المسرح العربي الذي تشرف عليه الهيئة العربية للمسرح، والتي تأسست سنة 2007، برؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، موعداً ينتظره الناس كل عام ليفرحوا بنتاج المسرح على أرض البلاد العربيّة، في ظلّ تحضيرات إعلاميّة تُقرأ فيها أفكار العرب في البلد العربي المستضيف، إذ يجتمع كلّ العرب ضيوفاً ومتحدثين ومسرحيين وإعلاميين وفرقاً مسرحيّة، فيتحرك الإعلام والندوات التطبيقيّة في قراءة المسرحيات والتكريمات، التي تتوهج بجائزة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وهي جائزة خاصّة من سموّه، لأفضل مسرحيّة مشاركة، وهو مما يغذي التنافس ويذكيه بين الحضور المسرحي العربي في هذا المهرجان أو ذاك الذي يقام تباعاً في كلّ دولةٍ عربية، فلقد نشّطت الهيئة العربية للمسرح من دور الأفكار والرؤى والأساليب، وجمعت بين أبناء العروبة، انطلاقاً من مسمّاها العربي.
وقد اعتمد المسرح الإماراتي على المكاشفة والرؤى منذ نشأته، واتخذ الصراحة طريقاً للنجاح، في قراءة واقع الحال، وكيفية النهوض بالمسرح المحلّي، ولذلك كان النجاح، فأنت لا تستطيع أن تبني مسرحاً عظيماً، أو تعزز من حضور أيّ فن من الفنون، إن لم تكاشف وتقرأ الواقع، وترسم الخطط والرؤى المستقبلية، ولذلك كانت دولة الإمارات ككلّ متعاضدةً في تقديم منجز مسرحي يُفرح الجميع، فكانت الإشادة العربيّة بالمسرح الإماراتي في تنوّعه وفي كثرة مفرداته وتخصصاته.
حراك وتنوع مسرحي
فمرّةً، نرى مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، ومرةً أخرى نجد «أيام الشارقة المسرحية»، ومرةً ثالثةً نجد «مسرح الشباب» في دبي، أو «مسرح المونودراما» في الفجيرة، بل إنّ وجود المسرح الوطني في أبوظبي كأكبر مسرح في المنطقة، في حجمه وعنايته بالأطفال، وتأليف قلوبهم على المسرح.. هو ما يؤكّد هذا الحراك الثقافي المسرحي، والأمثلة كثيرة على مسارح ومهرجانات أخرى. ومعنى هذا أنّ دولة الإمارات على قناعة تامّة بكون المسرح فناً عالمياً، وهي تدرك دوره في صقل شخصيّة المنضمين إليه من الأطفال والشباب، وتغيير نمط ومستقبل الحياة إلى الأفضل.
وحين تستضيف الشارقة المسرح الخليجي على سبيل المثال، في كل فترة، في تدارس وعروض هذا المسرح وأفكاره وتجديداته، فذلك يعني وفاء الدولة ممثلةً بالشارقة لمسرحها الخليجي، كونها جزءاً منه، ثمّ عربياً، فعالمياً، وهكذا تكبر دائرة الإبداع حتى تغطي أكبر مساحة محليّة وخليجية وعربيّة وإنسانيّة.
وفي الشارقة، وعلاوةً على وجود الهيئة العربية المسرح، وأيام الشارقة المسرحية، هنالك أيضاً مهرجان خورفكان المسرحي، وهناك مسرح دبا الحصن للمسرح الثنائي، وكذلك المسرح المدرسي، وهنالك أيضاً المسرح الكشفي، وهنالك أفكار المسرح التاريخي الذي يكتبه صاحب السّمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.
المسرح الصحراوي
كما نطوّف كلّ عام بروعة وجماليات المسرح الصحراوي، كفكرة ابتكاريّة رائعة، إضافةً إلى مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة، كتنوّع مسرحي رائع يستفيد من ثماره كلّ الشرائح المجتمعية، زد على ذلك مسرح الطفل في الشارقة، إذ لا يقف الأمر عند الكبار، فالمسرح من حق الشباب والناشئة أيضاً، ففي كلّ هذه المهرجانات من حقّ الجميع الاستماع إليهم: إلى رؤى الكتّاب وأفكار الأطفال والشباب والآفاق السياسيّة والإنسانيّة والوطنيّة بطبيعة الحال، فمن حقّ الكاتب أن تخرج أفكاره إلى الملأ على خشبة المسرح، حيث تزدهي الأفكار وتسمو من خلال التجسيد الحيّ على خشبة المسرح.
أمّا المسرح الصحراوي، فكان رؤيةً ماتعة في المسرح، بتوجيهات صاحب السّمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حيث يتمّ تأطير المكان والاحتفال به في منطقة صحراوية ناطقة وضاجّة بالحركة، بل وتدلّنا على تقاليد الناس وحياتهم، حين يذهب المسرح إلى الناس في بيئاتهم وصحرائهم وينصبُ خيامه هناك، فيكون التمثيل الحيّ أمام الناس على أديم ورمال الصحراء، في عروض أشبه بالسحر وانفتاح الآفاق، وهذا شيء ابتكاري ويدل على وعي الإمارات وحفاظها على الأصالة الثقافية والتجديد الإبداعيّ، لأنّ التجديد الثقافي معناه أفكار جديدة، ورؤى جديدة، بمنتهى الحرية وبأوسع آفاق التعبير، إذ كانت هناك آفاق واسعة للنقد المجتمعي وقراءة الأفكار وما يجري في العالم من أحداث.
وفي المسرح الصحراوي، يتشوّق الناس، في فلسفة جميلة لبثّ روح المسرح في العامّة وتحبيبهم إلى المسرح ورسالته، حيث يترقّب الحضور والممثلون وكاتب النص والمخرجون لهذا المسرح الذي بات محطةً يجذب الكتّاب لأن يقدموا أعمالاً فيها الخيل وتراث البادية وروح الأصالة، وفيها أفكار جريئة ومطلوبة في تغيير الأفكار السلبية إلى أفكار جيّدة ومتحابّة.
مبعث فخر
ختاماً، المسرح «أبو الفنون» مزدهر في دولة الإمارات العربية المتحدة، واختيار يوم ميلاد صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة،  ليكون يوماً للمسرح الإماراتي، هو مبعث فخر واعتزاز لكلّ مخلص للمسرح، وقد أعطى سموه  للمسرح الكثير من فكره ورؤيته ووقته متابعاته، لهذا يستحق الوفاء بهذه التسمية، لا سيّما وقد كتب نصّ الفيلم السينمائي المتعلق بالمكان ونضال الشارقة ضد المستعمر، حيث يؤمن سموه بتنافذ الفنون على بعضها، وبضرورة أن يظل فتيله مشتعلاً لكيلا تنطفئ جذوة الإبداع وشرارة الأفكار، فالعالم المتقدّم يولي الثقافة والفنون والآداب أكبر العناية، إذ لا يستطيع هذا العالم أن يعيش بمعزل عن الفنون، فهي واجهة حضاريّة عالميّة وبوصلة للسياسيين أيضاً، وقد آمنت دولة الإمارات العربية المتحدة بالفكر والثقافة والتراث وجوائز التكريم الثقافي والإبداعي، فكانت نموذجاً في الإدارة الثقافيّة والفنيّة على الدوام، ومنها إدارة المسرح، حيث نتشوّق في اليوم الإماراتي للمسرح لتكريمات رواد الحركة المسرحية، والفرق المتميّزة، والفائزين الإماراتيين في الخارج، وهو ما يؤكد التزام الإمارات في تقديم وعيها وثقافتها وتأثيرها على محيطها العربيّ والإنساني على الدوام.