سعد عبد الراضي (أبوظبي) 

تكمن أهمية كتاب التحولات السردية في الأدب الإماراتي للناقدة الأكاديمية د. مريم الهاشمي، الذي أصدره مشروع «كلمة» مؤخراً في 254 صفحة، في أنه يعكس تطور فن الرواية في دولة الإمارات العربية المتحدة، في ضوء تطور إيقاع الحياة فيها، وتأثيره على المبدع الإماراتي الذي وجد مساحة للتعبير عن أفكاره ورؤاه فيما يخص التغيرات المجتمعية، فتعددت أوجه الخطاب السردي، وتنوعت اتجاهاته في الرواية الإماراتية من حيث المحتوى والشكل الفني، على النحو الذي يسمح به النص السردي وما فيه من تنوعات لغوية وقدرة على بناء حياة مجتمعية وإنتاج خطاب سردي متخيّل.
ويشير الكتاب إلى أن السردية تبحث في مكونات البنية السردية للخطاب من راو ومروي له، وكما كانت بنية الخطاب السردي أسلوباً وبناء ودلالة، فإنها تهتم كذلك باستخراج القوانين والقواعد التي تبنى عليها الأجناس الأدبية، والنظم التي تستخرج منها من حيث سماتها وخصائصها ومبادئها، كما أنها تهتم ببنية السردية للخطاب من حيث الرواية، أي المرسل والمتلقي، كما أنها تُعنى بأسلوب وبناء ودلالة الخطاب السردي، فالسردية كمصطلح عام يمتاز بالشمولية في الموضوع، والهدف مع التحليل التطبيقي للنصوص التي تفرض ضرباً معيناً من الآليات في القراءة النقدية، ويمكن الزعم أن السردية علم يصل إلى أبعاد فلسفية، وهو العلم الذي يعنى بدراسة السرد في جوهره ما يؤدي إلى وظيفة التأثير والتبليغ لكونها رسائل جمالية وفنية متداولة، وفي الوقت ذاته تقف على السلوكيات البشرية التي تحتاج بطبيعة الحال إلى تحليل شفراتها، وهدف فهمها ثم فهم الثقافات المتشكلة من موروثات وفلسفات وأيدولوجيات دينية واجتماعية، ومن هنا جاءت أهمية دراسة التحولات السردية في الفن السردي في الإمارات لتقف كل أنواع البنى، وتناول طبيعة التحولات التي طرأت عليها في تقنيات الكتابة الإبداعية المختلفة، فالوقوف على التحولات السردية هو وقوف على التحولات الإنسانية في مجتمع متحول، وهو دراسة في مدى تأثر الذات بكل تلك التحولات والتي أدت إلى التغير في السردية وتباينها عن نمطها السابق، ومدى حضور هذا التبيان أو التطور وفاعليته في التغيير الإبداعي، ومن ثم في المتلقي الذي هو أس العملية الإبداعي ومحورها، والقراءة النقدية هي من تقف على صيد هذا التحول. 

تحولات متشابكة 
تقف الدراسة التي قدمتها الدكتورة مريم الهاشمي على التحولات السردية التي صاحبت مسيرة الرواية في الإمارات، وما شهدته من تحوّلات بنيوية، لتكون تعبيراً عن تحولات المجتمع الإماراتي وصولاً إلى الأزمنة الحديثة. فلقد أظهر السرد الروائي الإماراتي تنوعاً كبيراً، وبرزت الرواية بجلاء بوصفها فنّاً قادراً على استيعاب الحياة الحديثة. ومع أنّ تحوّلاته لا تنفصل عن شبيهاتها في العالم العربي، استطاع السرد الإماراتي أن يعبر عن الهوية الثقافية للمجتمع الإماراتي.
وتقول الدكتورة مريم الهاشمي لـ «الاتحاد»: إن الرواية رغم كونها فناً تأخر ظهوره إلا أنه أثبت حضوره أمام الشعر الذي سبقه، والقصص الشعبية والخراريف التي كانت البذرة الأولى لفن القص في دولة الإمارات، والتغير الاجتماعي الذي صاحبه الاقتصادي والسياسي والثقافي، والذي أثر كذلك في الموضوعات التي تناولتها الرواية، إضافة إلى ما يميز دولة الإمارات من حضارة استطاعت أن تجمع بين الحداثة والأصالة في تلاقح ثقافي مع الآخر، ودوره الفاعل في التعرف عليه بل والتأثير فيه إما بفعل الترجمة أو بفعل الاحتكاك المباشر ما أثر على كل المظاهر الفنية الإبداعية، ومنها الرواية. 

أشكال متعددة
وتؤكد الهاشمي أنه لا يمكن أن نتصور شكلاً واحداً عن جنس الرواية، لأنها وجدت لترتحل في الشكل والتجريب والتعدد، ولم توجد ليضبطها شكل واحد، فقد وجدت مع الإنسان لتعبر عن رحلته، وضياعه في الأزمنة الحديثة، وعليه لا يمكننا أن نتصور أسلوباً فنياً واحداً لكتابة الرواية، لأن فكرة الكتابة بأسلوب وقالب واحد تشتغل ضد الحسم الشكلي الذي تأسس على أساسه جنس الرواية، أي إن التمسك بمفهوم محدد للرواية يجعلها في حالة التباس واضح، ذلك أن الحديث عن شكل ثابت يمنع عنها المراجعة الداخلية العميقة، وإن هذا الاكتشاف الذي تشتغل عليه الرواية كجنس لتثبيت هوية محددة المعالم، صار مسألة إشكالية بالنسبة لهويتها الأجناسية، لأن أي بحث عن الاكتمال يعني موت الجنس، وبالتالي هي في حالة بحث عن القدرة الداخلية لها، وعلى مستوى التجربة، فإن الرحلة رحلة دائمة بين الأجناس المختلفة، غير قارة ولا ماكثة، فهي مرتحلة في المعنى، وأزمتها من أزمة الإنسان.
وأضافت أن دولة الإمارات من المجتمعات سريعة التغيير والأكثر انفتاحاً على الآخر، بحكم الاندماج والتنوع الديموغرافي ما أثر بطبيعة الحال على التعبير عن الواقع، وعن الذات بصوره المختلفة ومنه اللغوية الإبداعية لتزدهر الرواية وتتعدد أنواعها وتتسع أغراضها وتختلف أساليبها وتتدرج مستوياتها، وتتنوع مصادرها وتتسارع في تطورها، ورحابة مجالاتها، وتمردها على القوالب واستيعابها لكثير من عناصر الفنون وانتشارها في كل الآداب المعاصرة، ويمكن القول بأنها نص نثري تخيلي سردي يدور حول شخصيات متورطة في حدث، وهي كذلك تمثيل للحياة والتجربة واكتساب المعرفة. 

البنى الداخلية 
وأشارت د. مريم الهاشمي إلى أن علم السرد يهتم بتحديد البنى الداخلية، وتتميز خصائصها النوعية والكشف عن العلاقات التي تربطها ببعض من حيث هي عناصر ثابتة في المبنى الروائي، والتي تكشف عن العلاقات التي تربطها بمكونات الخطاب السردي، ومعرفة آلية اشتغالها، وتحديد نظام عملها وقواعدها، مما هيأ للدارسين أرضية علمية تمكنهم من تحديد أساليب الخطاب القادرة على توصيل الرسالة السردية في صورة منتج فني هو قصة أو رواية، وأصبحت دراسة هذا الفن بوصفه فرعاً أدبياً قائماً بذاته تُبنى على خصائصه الداخلية النوعية بعيداً عن التدخلات الخارجية أو إسقاطات ما حول النص على النص.