محمد نجيم (الرباط)
يونس الخراز فنان مغربي من مدينة الفن «أصيلة»، المدينة التي أنجبت كبار الفنانين التشكيليين المغاربة أمثال محمد المليحي، خليل الغريب، ونرجس الجباري، وآخرين كثر، حيث يشكل يونس الخراز جزءاً من أسطورة أصيلة الفنية، فقد عاش نهضتها منذ دورات مهرجانها الأولى، التي طبعت توجهه نحو الرسم والتشكيل، متأثراً بفنانين مغاربة كبار أمثال محمد المليحي وفريد بلكاهية. 

ذاكرة حية
اكتسب يونس، كذلك، تجربة في فن النقش والطباعة داخل الفضاء الذي كان يديره الفنان السوداني الكبير عمر خليل، والذي كان يعيش في نيويورك، وارتبط بعلاقة صداقة مع يونس الذي حظي بحب وتقدير الجميع، مفكرين وكتاب وتشكيليين وموسيقيين، فقد كان اجتماعياً ومتواصلاً مع الآخرين رغم سنه الصغيرة، ذلك ما جعل الجميع يحبه ويقدره، ويمكن القول إنه يمثل «ذاكرة حية لمهرجان أصيلة»، كما تقول الناقدة الجمالية رجاء بنشمسي.
 في معرض جماعي نظم في مدينة الدار البيضاء، شارك فيه الفنان يونس الخراز إلى جانب، مجموعة من الأسماء، منهم: عبد القادر المليحي، نسرين الجباري، محمد عنزاوي، وخليل الغريب وآخرين، تطالعنا لوحات الفنان الخراز بقوة ألوانها وسطوعها بمفردات تشكيلية تتوافر فيها الإبداعية والرؤية الفنية التي تحمل بصمة الفنان مستمدة دلالاتها من الأسلوب الحداثي والطابع المغربي الذي يسم المنجز البصري للفنان، فلوحاته ذات مواضيع مستوحاة من الطبيعة أو من الهندسة المعمارية لكن تم إنتاجها بدرجة عالية من التجريد، كما أن أعماله مبنية بشكل جيد، حيث إن الموجب والسلبي موزعان عملياً على بعدين، ويخلقان كثافة فضائية كبيرة، إنه يخلق صورة كاملة، تحمل أعماله دائماً في داخلها ذكرى الأرابيسك، في الشكل كما في اللون: الفاتح والداكن، والإيقاع السائد، ومن هنا ولدت بورتريهات مثيرة للاهتمام مرسومة بالألوان المائية، وفي تركيبة صارمة ذات جودة عالية، يعطي العمل اللوني الأكثر استرخاء طبقات جميلة متراكبة على القماش، برأي الفنان والناقد مروان قصاب باشي.
فطرية الألوان
أما الناقد الفني جمال بوسحابة، فيقول: يُظهر يونس الخراز حساسية شبه فطرية للألوان والتركيب، لقد لاحظ هذه الحقيقة العديد من المتتبعين الذين أُتيحت لهم الفرصة للتعرف، من حين لآخر، على أي عمل له قيد الإنجاز، وبالمثل، لا يمكن إنكار الحساسية الشديدة والشخصية التي كشفت عنها مختلف مراحل مساره الفني، ففي المرحلة الأولى، يظهر من خلال لوحاته المناظر الطبيعية حنين لا يوصف، شيء به طراوة ونعومة وألم في الآن ذاته، يبرز هذا الشعور من خلال التردد في الخط والشكل، لكن لوحات المناظر المعمارية تظهر أكثر نسقية، أكثر أكاديمية، أكثر بيانية، وأكثر حدة، فقد تمكنت على الأقل من الإفلات من الإيحاء غير الحيوي للبطاقات البريدية المحلية فهي تظهر لنا أصيلة ضبابية باهتة ذات بياض كئيب غير محدد تحت شمس المحيط الباردة.
دهشة وقلق
ما سيُكشف لنا أخيراً، مأساة يونس الخراز هي البورتريهات الشخصية والبورتريهات الخيالية بالألوان المائية، إذ الطريقة التي تنظر بها إلينا تلك الشخصيات ذات الهيئات غير المتناسبة قليلاً، والمستحوذ على ملامحها الدهشة والقلق والخوف مما يرونه، تجعلنا غير مرتاحين، ولا أحد يشك في كونها نفس النظرات التي يلقيها الخراز على العالم الخارجي.