«الأُلفةُ؛ هي أريحية المتلقي في النظر إلى العمل الفني، تدفعه حساسية الأرض المستمرة في البوح بأن يطمئن». بتلك الهوادة المسكونة بالقراءة النقدية ارتحلت القيّمة الفنية شما المهيري، في حديثها عن معرض «بوح التراب»، للفنان الإماراتي د. محمد يوسف والنحاتة الكينية ماغي أوتينو، الذي يُقام في «إيفيه غاليري» بمدينة دبي، معتبرة أن حوار الخشب والمعدن في مسيرة تاريخ الفن المعاصر، بمثابة بوابة استكشاف لارتباط الفنانين ووسائطهم الإبداعية، وذلك بما تعنيه علاقة الأرض بالعملية الإبداعية، منطلقة في بحثها الاجتماعي حول المعرض من خلال سؤال: «كيف تسمح الحرفة بفهم الحياة والمشاعر التي تتخطى الأساليب التقليدية للتعبير المادي؟» وهي تذهب بنا جميعاً لإدراك السياق الاجتماعي من أن يُعبر الفنانون بالممارسات الحيّة من خلال استخدام «أيديهم» والعمل بشكل حيّ عبر التماهي مع فعل البوح في الطبيعة، باعتباره تجربة أصيلة في الذهاب إلى البرية والعفوية الطاغية في العناصر الطبيعية، وإمكانية الترويض ـ إن صح التعبير ـ أو رسم مسار للطبيعة بأن تتحدث أو تستجيب، من خلال شكل بصري، يتجاوز مع الوقت حدود المكان والزمان والذاكرة.
رغم الشاعرية التي تبديها مفردة «بوح» في اللغة، كمن استراح ليقول كل شيء، إلا أن المتأمل لعمل النحاتة الكينية ماغي أوتينو، يتوقف عند تصورات جسد العمل في إحدى المنحوتات، والتي نتشارك فوتوغرافيا حضورها بمشهدية الصلابة عبر ضربات من المسامير تثبت معنى «التداخل» كمفهوم واسع في الفضاء الإنساني، وفلسفة الحركة في ثبات الكائن الحيّ وأبديته، ومنه فإن الاستمرار في رواية الفنانة ماغي أوتينو للقصص الأفريقية ذهاباً إلى العالم، تجاوزت الرواية التاريخية لمعنى العلاقة بين الثقافة وهوية المجتمعات، وذلك بالتوازي مع مخرجات أعمال الفنان الإماراتي د. محمد يوسف في المعرض، التي لطالما عاشت ونمت بناءً على الموضوع الفني لكينونة «الريح» في الطبيعة، من خلال أن يجذر الفنان أقدام شخصياته الفنية على الأرض، مشكلاً الحضور الثنائي للفنانين في الفضاء الإبداعي العام، حالة بديعة يتقاطع فيها السرد البصري بين القارة الأفريقية ودولة الإمارات.