محمد نجيم (الرباط)
تشهد الحركة التشكيلية في مدينة أصيلة دينامية لافتة، تلك المدينة الشاطئية الصغيرة التي تقع غير بعيدٍ عن مدينة طنجة الساحرة، مدينة الفنون والثقافات، التي تجلب كبار التشكيليين والشعراء والكتّاب للمشاركة في موسمها الثقافي الدولي. هي مدينة أنجبت كبار الفنانين والتشكيليين المغاربة، ومنهم الفنان التشكيلي يونس خراساني.
في معرض نُظّم مؤخراً في مدينة الدار البيضاء، قدم يونس الخرساني أعماله التي يندمج فيها ضوء وشمس مدينة أصيلة مع مفردات فنية تستحضر الهندسة والتراكيب بأسلوب تشكيلي عن سردية جمالية متفردة تتجاوب مع الفن المعاصر في تجريديته التي تروم تحقيق انسجام بين الحركة والضوء، بين المفردة الجمالية والشكل الهندسي، بعمق دلالي يحقق المتعة والبلاغة الجمالية برؤية تتجلى فيها الإبداعية والشاعرية.
أعمال خرساني إبداع ينهل من الحداثة التشكيلية، وتعبّر عن مدارس وبلاغات تنطلق من التجريدي لتنتهي في الهندسي في تفاعل وتكاتف مع المفردات الفنية المعاصرة، لتصنع مكوناً جمالياً وأفقاً تعبيرياً يعكس صوراً فنية متعددة، تتمثل في الواقعية التشكيلية المعاصرة، بتراكيب جمالية تستنطق اللون والامتلاء والفراغ، بتصور ابتكاري معاصر ومتفرد، تمنح فنه كل الجدة والراهنية.
هي أعمال تعتمد عموماً على أشكال ذات محيطات قوسية تتكرر فوق المساحات ثنائية البعد للأعمال إلى حد تكوين هيئات متموجة أو دائرية متراكزة في داخلها، وبتأثير من خداع العين الناجم عن الإيقاع، والتكرار وتوجه الأشكال، وكذلك عن لعبة الدرجات اللونية والمضيئة، المعتمة، فإن هذه الأشكال تخلق داخل اللوحات، في نهاية المطاف تجويفات ونتوءات تحول الامتداد ثاني البعد لأعمال ثلاثية الأبعاد، بعيداً عن ثقافة التشاؤم، مما يبرز هذا الصراع الدائم بين الظل والضوء الذي مازال يسكن أعماله الأخيرة، بوصف الناقد محمد الراشدي.
والمتأمل لهذه اللوحات، يكتشف العدة التشكيلية التي يعكف الفنان على تحقيقها، والتي تهدف إلى الاحتفاء الرمزي بانتصار النور المتوقع تحققه على الظل.
المنجز البصري للفنان خرساني، بحسب محمد الراشدي، في كتيب المعرض، يمنح للمشاهد رؤية نموذج كوسمولوجية مستوحاة من نظرية النسبية لألبير آينشتاين (1879-1955)، ومن نظرية الانفجار العظيم، اللتين تبرزان تطور الكون عبر التمدد وقوانينه الخاصة، كما يحتفظ الفنان في مقاربته، بالجوهر الأنطولوجي لهذه الاكتشافات، كما أننا نجد أنفسنا في حضرة هندسة كونية تدمج حركات الموجات، والذرات والجزيئات المكونة للمادة.