هزاع أبوالريش (أبوظبي)
قلعة «ضاية» من أشهر القلاع القابعة على المرتفعات في دولة الإمارات العربية المتحدة، شُيّدت هذه القلعة ذات القمة المزدوجة والمبنية من الطوب الطيني خلال القرن الثامن عشر، ثمّ رُمّمت في أواخر التسعينيات، وتُعتبر مَعلماً تاريخياً عريقاً، حيث تقف شامخة وسط الجبال الشاهقة والوديان الخصيبة العامرة بأشجار النخيل في إمارة رأس الخيمة، تتوسّطها واحة وارفة الظلال ذات إطلالات خلابة، وسط الجبال الشامخة، مروراً بأشجار النخيل والأراضي الخضراء، وصولاً إلى مياه البحر الصافية.

رمز للمقاومة
أكد المؤرّخ الدكتور حمد بن صراي، أنّ قلعة «ضاية» تعدّ رمزاً من رموز المقاومة في منطقة الساحل، وتحتلّ مكاناً عالياً بمنطقة تحتضنها الجبال، وتطلّ على الساحل بالقرب من الرمس، لافتاً «مع مرور الزمن والتاريخ، أصبحت القلعة رمزاً وطنياً مهماً في الدولة، وتصميمها الخارجي يشكل جزءاً عميقاً من القوة والحضور العسكري كونها تشرف على جميع المناطق من حولها، وهذا البروز التشكيلي جعلها تهيمن عسكرياً آنذاك، وترتكز القلعة على تحصينات فائقة التأمين للظروف الطارئة والحالات الصعبة، ويتوسّطها البرج، وحولها السور ممتداً بذراعيه مغطياً مسافة دائرية الشكل، ما جعل الوصول إليها أمراً صعباً.

وأضاف ابن صراي: خلال المعارك الطاحنة ضد البريطانيين الغزاة كانت مسرحاً للصمود والمواجهة وكيفية مجابهة العدو بإستراتيجية قتالية عالية، وسطرت تلك الملاحم الوطنية صفحات مشرقة من تاريخ المقاومة الإماراتية في وجه الغزاة القادمين من الخارج، مشيراً إلى أن هناك العديد من الكتب والمؤلفات التي كُتبت ودونت تلك الأحداث، موثقة وقائع المعارك التي دارت حول القلعة. 

ثغرة
وتابع ابن صراي: أثناء المعركة البريطانية، اتجهت أنظار القوات الغازية نحو منطقة الرمس، حيث تقف قلعة ضاية كحارس يشرف على المنطقة، وفي الحادي والعشرين من ديسمبر عام 1819 أسندت كتيبة المشاة البريطانية 47 هجوماً على القلعة، وأنزل مدفعان عيار 24 رطلاً من سفينة القيادة «ليفربول»، ووضعا أمام القلعة، وفي الثامنة والنصف من صباح الثاني والعشرين من ديسمبر، وبعد قصف عنيف من مدفعية عيار 24 رطلاً، استمر ساعتين، انهار جزء من جدار القلعة، وحدثت ثغرة فيه، ليقتحم الجنود الغزاة القلعة من تلك الثغرة. 

معارك مستمرة
وأوضح ابن صراي أن المعارك استمرت بين أهل رأس الخيمة والبريطانيين أياماً من دون توقف، اعتباراً من الثاني من ديسمبر 1819، وكانت القوة القاسمية، وفقاً للتقديرات تضم 4000 -7000 مقاتل، من أهالي المنطقة، بينما تتكون القوات البريطانية من كتائب متعدّدة، تضم كل واحدة منها 1500 جندي، مع أساطيل ومدمرات بحرية، مستعينين بدول أخرى في الإمداد والمساعدة فقط، حيث يذكر التاريخ بأن القوات البريطانية تمكنت أخيراً من دخول رأس الخيمة، بعد دكّ حصونها، وأسفرت المعارك بين الطرفين عن مقتل وجرح ما لا يقل عن ألف من أهالي رأس الخيمة.

رواية ملحمية وطنية
أشار المؤرّخ الدكتور حمد بن صراي، إلى أن تاريخ قلعة ضاية، وهذا الحضور الوطني المفعم بالهوية والتضحية والوقوف ضد الغزاة بصرامة تجعل المكان يبرز بقيمته الرفيعة وثيمته التي تركت طابعاً مُلهماً في نفوس الآخرين، وأن لاحظنا أنه رغم تطور الغزاة بعتادهم العسكرية إلا أن هناك كانت معارك طاحنة، ودفاعات شرسة لأجل أن تظل الأرض ويبقى المصير المشترك بين أهالي المنطقة، مبيّناً «هذا ما جعل القلعة مرجعاً للتاريخ، والذكريات، والهوية التي لا تزال شعلة في نفوس أهل الإمارة، ورواية ملحمية وطنية تسطر صفحاتها على جبين هذا الوطن، لتبقى قبلة ترنو إليها مشاعر الأجيال، وبوصلة طريق إلى اللا نهاية.