علي عبد الرحمن (القاهرة)
«إذا كان هناك قلم رصاص في جيبك، فهناك احتمال كبير أنك في يوم من الأيام ستشعر بالرغبة في البدء في استخدامه»، تلك المقولة التي صاغها الأديب والمخرج الأميركي الراحل بول أوستر، الذي توفي في الثلاثين من شهر أبريل الماضي، وعبارته تلك قالها عندما كان في عمر الثامنة وفشل في الحصول على توقيع من بطل البيسبول ويلي ميس، لعدم امتلاكه هو ووالده قلم رصاص للحصول على التوقيع، ليصبح ذلك الموقف عظيم الأثر بحياة الراحل، لتكون نقطة تحول فارقة في مسيرته بعالم الثقافة والأدب. ولد بول أوستر في مدينة نيوارك بولاية نيوجيرسي عام 1947، وبدأت حياته الأدبية في سن الثامنة عندما فشل في الحصول على توقيع من بطل البيسبول ويلي ميس، وتخرج في جامعة كولومبيا عام 1970، ونال شهادته في دراسة الأدب الإنجليزي والإيطالي والفرنسي. وبعد تخرجه قرر الانتقال إلى عاصمة النور «باريس»، وعمل مترجم أعمال الكتاب الفرنسيين، ونشر أعمالهم في المجلات الأميركية، بجانب عمله في وظائف أخرى، وفي عام 1974 عاد مرة أخرى إلى أميركا. وتزوج بول أوستر مرتين، الأولى عام 1977 من زميلته الجامعية ليديا ديفيس، وأنجب منها نجله «دانيال»، وانفصلا بعد فترة وجيزة، والثانية عام 1981 من الروائية سيري هستفدت، وأنجب منها ابنته «صوفي». في يناير 1979، توفي والد أوستر، وأصبح هذا الحدث بمثابة البذرة لمذكرات الكاتب الأولى «اختراع العزلة»، التي نشرت عام 1982، وكشف خلالها أن جده لأبيه قتل بالرصاص على يد جدته، التي تمت تبرئتها على أساس الجنون.
مدينة الزجاج
وجاءت انطلاقة بول أوستر مع نشر روايته «مدينة الزجاج» عام 1985، وهي أول رواية في ثلاثية نيويورك، في حين أن الكتب هي قصص غامضة ظاهرياً، واستخدم أوستر النموذج لطرح أسئلة وجودية حول الهوية. وكان ينشر أعماله الأدبية بانتظام طوال الثمانينيات والتسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث كتب أكثر من 12 رواية، بما في ذلك «قصر القمر» 1989، «وموسيقى الفرصة» 1990، «وكتاب الأوهام» 2002، «وأوراكل نايت» 2003، كما شارك في صناعة الأفلام، حيث كتب سيناريو فيلم «دخان»، من إخراج واين وانغ، وفاز عنه بجائزة الروح المستقلة لأفضل سيناريو أول في عام 1995.
بالإضافة إلى كتابة وإخراج أفلام عدة، ومنها «لولو على الجسر» 1998، و«الحياة الداخلية لمارتن فروست» 2007، وفيلم وثائقي عام 2009، يتناول فيه الناجين من الصواعق الكهربائية والرعدية، ويعد الفيلم حالة خاصة للأديب الراحل بعد أن شهد وفاة أحد أصدقائه بعمر الـ 14 بصاعقة كهربائية أثناء رحلتهم الصيفية.
وتقول الناقدة المصرية منة عبيد: غالباً ما كان النقاد يصورون بول أوستر على أنه هجين عبر المحيط الأطلسي خلال حياته المهنية التي تضمنت أكثر من 30 كتاباً، بالإضافة إلى المقالات والشعر والسيناريوهات، حيث كان أميركياً بإحساسه بالمكان والحوار، وكتابته كانت متشبعة بالتقاليد الأدبية الفرنسية، بما في ذلك التأملات الوجودية. وذكرت منة أن بول أوستر قضى سنوات طويلة في باريس كمؤلف طموح، وكان اهتمامه الشامل دائماً هو التشكيك في الأساس الفلسفي والقومي للفردية والأصالة، وتحدي حالات الرضا عن النفس المستقرة، وتتحدى أعماله الخيالية المضحكة في كثير من الأحيان القيود، بالإضافة إلى قدرات الخيال البشري في عالم غير قابل للاسترداد.
ابتكار العزلة
يقول الناقد الأردني فضل معارك إنه على الرغم من كون بول أوستر ينتمي إلى عائلة من الطبقة الوسطى، إلا أن المال كان سبباً دائماً للخلافات العائلية، ما أدى إلى طلاق والديه، متحدثاً في روايته «ابتكار العزلة»، التي تنتمي لأدب السيرة الذاتية، عن والده وكيف كان شخصية تتسم بالبخل على نقيض والدته التي كانت مسرفة، وكان أوستر حائراً بينهما، وتلك اتهامات أثارت غضب العائلة ضده. وذكر فضل معارك أن بول أوستر كان لا ينجذب إلى عالم المادة، وكان يري أن العمل اليدوي أفضل من عالم الأعمال المكتبية والصراع على جني الأموال، وهذا ما ظهر واضحاً في روايته «تباريح العيش».
وأضاف الناقد الأردني أن أوستر جعل من أعماله الأدبية حالة خاصة، واصفاً كتاباته بـ«عدمية عميقة جداً»، على الرغم من أن ذلك قوبل إلى حد ما بـ «السعادة غير العادية المتمثلة في الشعور بأنك على قيد الحياة».
ونال بول أوستر عبر مسيرته الأدبية التي تجاوزت الـ 30 مؤلفاً، وترجمت إلى أكتر من 40 لغة حول العالم ومنها العربية، العديد من الجوائز الأدبية المرموقة عالمياً تجاوز عددها أكثر من 18 جائزة، أولها عام 1989 عن «ثلاثية نيويورك»، وجائزة الأكاديمية الأميركية للفنون والآداب من الأكاديمية الأميركية للفنون والآداب، ووسام الفنون والآداب الفرنسي برتبة قائد، وجائزة دبلن الأدبية، بالإضافة إلى درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة لييج.