سعد عبد الراضي (أبوظبي)
الدكتور قتيبة أحمد المقطرن، ناقد وأكاديمي مقيم في دولة الإمارات، عمل محاضراً للغة العربية في عدد من الجامعات والمؤسسات البحثية والتعليمية، وفي حديثه لـ«الاتحاد» استعرض عدداً من النصوص النثرية التي سطّرها عدد من أدباء وشعراء العصر الحديث عن شهر رمضان.
يقول الدكتور قتيبة، إن الأدباء جوّدوا وأبدعوا في الحديث عن رمضان، ودبّجوا له الكثير من أحاديث البلاغة والبيان، واستشهد بعدد من الأدباء المعروفين في العصر الحديث، فذكر حديث الأديب أحمد حسن الزيات عندما قال: «لا بدّ من رمضان بعد أحد عشر شهرًا قضاها المرء في جهاد العيش، مستكلِب النَّفْس، مستأسِد الهوى». ويضيف: «رمضان رياضة للنفس بالتجرد، وثقافة للروح بالتأمل، وتوثيق لِمَا وَهَى بين القلب والدِّين، وتقريبٌ لِمَا بَعُدَ بين الرأفة والمسكين، وتنديةٌ لِمَا يَبِس من الرَّحِم القريبة، ونفحةٌ من نفحات السماء تُفعِم دنيا المسلمين بعبير الخُلد وأنفاس الملائكة».
وأشار الدكتور قتيبة إلى أن الإنسان قبل رمضان في هذا الإبداع الأدبي الذي سطّره الزيات، يعيش على كل ما يخالف ثقافة رمضان، فيأتي رمضان ليطهّر هذه النفس الأمّارة بالسوء الضعيفة ويروّضها على ثقافة إيمانية إسلامية تسمو بها العام كله وليس في رمضان فحسب.
كتابات العقاد
ثم استشهد بقول الأديب الكبير عباس محمود العقاد في حديثه عن رمضان، حيث قال: «إن الإرادة هي فضيلة الفضائل في الصيام ومتى عَرفتَ هذه الحكمة فآداب رمضان كلها محصورة في معناها». وعلق الدكتور قتيبة هنا على أن العقاد يُولي الإرادة منزلة ومكانة في الصيام ويسميها فضيلة الفضائل، ويدعو إلى التحلي والتخَلُّق بآداب هذا الشهر الفضيل.
أمير الشعراء
واستشهد الدكتور قتيبة بنص نثري لأمير الشعراء أحمد شوقي عندما تحدث عن رمضان قائلاً: «الصوم حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع» ويضيف عن الصوم قائلاً: «يُعلِّم الصبر، حتى إذا جاع من أَلِف الشّبع، وحُرم المُتْرَف أسباب المِتَع، عَرَف الحرمانَ كيف يقع، والجوع كيف أَلَمُه إذا لَذَع». وقال الدكتور قتيبة: «إن هذا السجع البديع المُنسَّق، والإيجاز الرائع المنمّق، يذكّرنا فيه شوقي بمعاني الصيام، والحكمة منه على الدوام».
ذكريات رمضان
عن ذكرياته في رمضان يقول الدكتور قتيبة: «رمضان شهر الخير والبركة يتفرد على غيره من شهور السنة، حيث تنتظم فيه أوقاتنا، فالكل صائمون في وقت واحد، والكل على موائد الإفطار في وقت واحد. وفي غير رمضان حياتنا فوضى، فيأتي رمضان في شهر واحد لينظم فوضى اعتدنا عليها أحد عشر شهراً. كنا نستعد لرمضان عندما تثبت رؤية الهلال يؤكدها مدفع رمضان المنصوب على سطح الجامع، نفرح ونهلّل، وأذكر معاناة أهلنا في إيقاظنا على السحور، والنوم أخذ منا كل مأخذ، ونصحو على صوت المُسحِّر وطبلَتِه وهو ينادي (يا نايم وَحِّد الدايم)، نتناول سحورنا، وبعدها يعلو صوت المؤذن بأذان الفجر، ثم نذهب إلى الجامع مع أبناء جيراننا، ونحن أطفال لم نتعدَّ العاشرة. وقبل أذان المغرب بسويعات قليلة في الأزقة والحارات وفي ساحة السوق تتعالى أصوات البائعين على بسطاتهم وهم يتفننون في النداء على المشروبات والمأكولات الرمضانية، فهذا ينادي (سوس بارد بِبلّ الألب)، وذاك ينادي (تمر هندي)، وثالث (يلي رماك الهوى يا ناعم)، ومن جماليات رمضان (السكبة) التي تميز بها أهل الشام، وهي (سكبة الطعام) التي يتبادلها الجيران بين بعضهم قبيل مدفع الإفطار. كنت أشعر بسعادة غامرة في تلك اللحظات وكأنني أعيشها الآن، أجواء رمضانية لا تزال ماثلة في الذاكرة. وقبل أذان المغرب بقليل أذهب مع أبناء الحي إلى الجامع لنشهد مدفع الإفطار يدوّي في سماء البلدة يرافقه أذان المغرب».