محمد عبدالسميع (الشارقة)
حين تأتي الشهادة لنبيّ هذه الأمة محمد، صلى الله عليه وسلم، من مفكرين غربيين؛ فتلك شهادة قيّمة تُضاف إلى جملة الشهادات والإطراءات التي امتدحت النبي الإنسان، صاحب الفكر والرؤية والعقيدة، ولكن، وكثيرة هي الشهادات التاريخية من مفكرين أجانب أشادوا في مؤلفاتهم بالصفات والمنطلقات التي سار عليها نبي البشرية وخاتم الأنبياء والمرسلين، وهي من أهمّ الوثائق والدفوعات التي نحتفي بها، ونحترم قراءة أصحابها لأوجه هذا الإعجاب، خصوصاً حين يضمّن كلّ ذلك المفكر الإنجليزي الاسكتلندي «توماس كارليل» ذلك في كتابٍ حمل عنوان «الأبطال»، بما يحمله الاسم من قدوة وقيمة أصيلة للمكتوب عنهم، أو المحتفى بهم، وفي طليعتهم نبينا الكريم، ولذلك ستكون هذه السطور محطات أو إضاءات في استعادة هذا الإعجاب، وقراءة المضامين المهمة التي تجعلنا أشدّ اعتزازاً بديننا السمح الحنيف الرامي إلى خير البشرية والناس أجمعين.
والمفكر توماس كارليل من مواليد عام 1795، توفي سنة 1881، وهو ناقد ومؤرخ اسكتلندي إنجليزي، حظيت قراءاته وإنصافه للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم بالحفاوة العربية. وأولى هذه الانفعالات القيّمة والإيجابية للمفكر توماس كارليل المبنية على طروحات ورؤى وقراءات متعمقة، هي أنه نفى أن يكون الرسول الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم، كان يطمح إلى مكاسب دنيوية وشهرة، بل كان مثالاً وصورة للنبي الذي هو محلّ اقتداء واحترام، بدليل هذه الرسالة السماوية الخالدة التي جعلت الملايين يعتنقونها ويدافعون عنها ويرون فيها قيماً أصيلة ونبيلة تستحق الاحترام والعمل بمضمونها، وهو ما أدى إلى تزايد أتباع هذا الدين، وقناعتهم به، بل والعمل على رواجه، هذا الرواج الذي جعله المفكر كارليل حجةً دامغةً أمام من يعرّض به، أو بالداعي إليه، النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
جملٌ وعبارات وقطعٌ نثرية مدعّمة بالحجة والبرهان، وهي إلى ذلك وفق ترجمتها، كانت تحمل أشد اللوم والتقريع لمزاعم يستحق أصحابها الرثاء والتألم لحالهم، من وجهة نظر توماس كارليل، أمام ما صرفوا أنظارهم عنه.
فليس جديراً أن يبقى هذا الدين القويم، كبناء متين على دعائمه طيلة هذه الفترة الطويلة، إن لم يكن النبي، صلى الله عليه وسلم، على علم ومعرفة بخصائص هذا الدين وطبيعة الناس.
وفي دفاعه في صفحات أخرى من الكتاب، كان المفكر توماس كارليل، يرى أن القناعة هي أساس الدفاع عن الإسلام، لأنه، وبكل بساطة، هو صوت الإنسانية الذي ساوى بين الناس وعدل بينهم، وجعل فقيرهم يعيش كريماً من مال غنيِّهم، وفرض من الشرائع ما يكفل هذا التكاتف الرائع، كصوتٍ للرحمة.
لقد كانت صفات العبقرية ومضاء العزم والتوازن بين الحياتين: الدنيا والآخرة، من النقاط المهمة التي اشتمل عليها كتاب «الأبطال» لمؤلفه توماس كارليل، الذي قال في إحدى الترجمات عنه، «إنّ الرجل العظيم في نظري مخلوقٌ من فؤاد الدنيا، وأحشاء الكون؛ فهو جزءٌ من الحقائق الجوهرية للأشياء».