سعد عبد الراضي
أعلنت منذ أيام في أبوظبي ولندن نتائج «جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة» للعام 2023 - 2024، وهي الدورة التاسعة عشرة للجائزة التي يمنحها «المركز العربي للأدب الجغرافي- ارتياد الآفاق» في أبوظبي ولندن، ويرعاها الشاعر والأديب محمد أحمد السويدي، ويشرف عليها مدير عام المركز الشاعر نوري الجراح، وقد بلغ عدد المخطوطات المشاركة هذا العام 67 مخطوطاً جاءت من 13 بلداً عربياً وأجنبياً، توزعت على الرحلة المعاصرة، والمخطوطات المحققة، واليوميات، والرحلة الصحفية والرحلة المترجمة. وقد نُزِعَتْ أسماءُ المشاركين من المخطوطات قبل تسليمها لأعضاء لجنة التحكيم لدواعي السريّة وسلامة الأداء. وجرت تصفية أولى تم بموجبها استبعاد الأعمال التي لم تستجب للشروط العلمية المنصوص عليها بالنسبة إلى التحقيق، والدراسة، أو ما غاب عنها المستوى بالنسبة إلى الجائزة التي تمنحها الدارة للأعمال المعاصرة.
وفي التصفية الثانية، بلغ عدد المخطوطات 24 مخطوطاً. وفي التصفية النهائية، فاز كل من: د. أحمديّة إبراهيم النعسان (سوريا)، د. أحمد جمعة عبد الحميد، د. حييى زكريا السودة (مصر)، عذبة المسلمانيّ (قطر)، د. محمد رضى بودشار (المغرب)، د. نورالدين بلكودري (المغرب)، د. إبراهيم بن محمَّد البطشان (المغرب)، د. احسين حمد احسين محمود (ليبيا)، عماد الأحمد، أبو الحارث موسى إبراهيم (ليبيا)، محمد خليل (المغرب)، حسّونة المصباحي (تونس). أما المنوه بأعمالهم، فهم: حسن محمد ساعف (المغرب)، أميمة الزبير (السودان)، زياد طارق نعيمة (فلسطين)، طاهر النور (تشاد)، حنان سليمان (مصر)
«الاتحاد» استطلعت آراء عدد من الفائزين من جنسيات مختلفة للحديث عن إنجازهم وأهمية الجائزة على الصعيدين العربي والدولي:
الفائزون يتحدثون
في البداية، تحدث لـ «الاتحاد الثقافي» الدكتور محمد رضى بودشار من المغرب، الفائز في فرع الدراسات عن «الأندلسيون الأواخر في الرحلات الأوربية إلى إسبانيا 1494-1862: لا أخفي فرحي وابتهاجي بالفوز بهذه الجائزة الرفيعة، والأثر الطيب الذي تركته لدي ولدى أهلي وزملائي ومعارفي، وكثير من المهتمين بالنصوص الرحلية وقضايا الأندلسيين الأواخر، لا سيما زملائي في «الجمعية المغربية للدراسات الأندلسية» و«الجمعية المغربية للبحث في الرحلة»، وباقي الباحثين في التاريخ والأدب سواء بتطوان مدينتي، وكذلك في باقي بلاد المغرب، وغيرهم من الأصدقاء من العالم العربي وأوربا.
وأضاف: الجدير بالذكر أن اختياري لهذا الموضوع: الأندلسيون الأواخر من خلال الرحلات الأوربية إلى إسبانيا 1494-1862، لم ينبثق مصادفة، ولم يأتني على حين غرة، وإنما هو نتيجة منطقية لتلاقي اهتمامين لديّ: يتمثل الأول في تاريخ الأندلسيين لمرحلة ما بعد سقوط غرناطة سنة 1492، وهم المعروفون في إسبانيا بالموريسيكيين، في حين آثرنا تسميتهم بالأندلسيين الأواخر أو بقايا الأندلسيين تماشياً مع التقليد السائد في الكتابة التاريخية المغربية. ويتمثل الثاني في ولعي بالنصوص الرحلية بوصفها مصدراً تاريخياً، وبوصفها نصاً حاملاً لتصورات عن الإنسان والعالم، وما يرافق ذلك من مواقف وانطباعات. ونظراً لقلة المصادر العربية المتعلقة بهذه المرحلة من تاريخ الأندلسيين، رصدنا وجود نصوص لرحالين من مختلف البلدان الأوربية زاروا إسبانيا منذ بداية العصر الحديث، والتي رأوا فيها ذلك الشرق البعيد، فعاينوا بها مظاهر الحضارة الإسلامية في الإنسان والمجال، وأكدوا إثر ذلك استمرارية وجود الأندلسيين المستخفيين، بما في ذلك في القرن التاسع عشر، مبرزين خصائصهم الخِلقية والخُلقية التي كانت لا تشبه نظيراتها لدى الإسبان الآخرين.
وقال الدكتور أحمد جمعة عبد الحميد من مصر، الفائز في فرع الرحلة المحققة عن كتابه المشترك مع الدكتور حييى زكريا السودة (مصر) وهو: «سَفيرُ المرُتَاد ورَائِدُ الإسعادِ لرحلة الزيارة لحضرة سيد الأسياد وحبيب رب العباد» لعليّ بن يحيى بن أحمد الكيلاني القادري الحموي: تُعدُّ «جائزة ابن بطوطة» من الجوائز العريقة على السّاحة العربيَّة، فهي تتمتّع بقيمة معنوية كبيرة.
وأضاف: العمل الذي نال شرَف الحصول عن الجائزة عبارة عن رحلة حج تنتمي إلى القرن السابع عشر خرجت من حَمَاه (مدينة سوريَّة معروفة) وأخذت طريقها إلى مكة لأداء الفريضة ثم إلى مدينة النبي، صلى الله عليه وسلم، والذي عبَّر عنه المؤلِّف في عنوانها الفرعي: «الزيارة لحضرة سيِّد الأسياد وحبيب ربِّ العباد»، وهو عنوانٌ يُداعبُ القلبَ ويملؤه شغفاً وشوقاً. لكن لم يقتصر الأمر على هذا فقط، فالكتاب سجلٌ حافل بمعلومات عن الطبيعة الجغرافية للطرق الوعرة، والصعاب والمخاطر التي واجهتها القافلة، ووصفٌ للمدن وحالتها الاقتصادية، حتى إنه كان يصف لنا هواءها إذا كان طيباً أو فاسداً، وأسعار السِّلع فيها حتى أعلاف الدواب.
وتابع: ممَّا دفعنا لاختيار هذا العمل هو ارتباطنا بتخصص الجائزة، فأنا والزميل الدكتور يحيى السودة متخصِّصان في التاريخ والدراسات الحضارية وعلْم المخطوط وتحقيقِه، إلا أنني على المستوى الشخصي شغوف بالرحلات بشكلٍ عام؛ لأنها مرتبطةٌ باهتمامي في دراسة القرافة المصرية، فما من رَحَّال أتى إلى أرض الكِنانة إلا وكتَب عن مدينة الموتى الأهم في العالم على الإطلاق.
مجال ثري
وقال عماد الأحمد، من سوريا، الفائز في فرع الرحلة المترجمة عن ترجمته من «الإنجليزية» لكتاب «حجر الدم» لتيم ماكنتوش- سميث: سعدت وتشرفت بجائزة ابن بطوطة للرحلة المترجمة والتي تحتفي بأدب الرحلات الذي يعدّ مجالًا ثرياً ما زال يخفي الكثير من التحف الفنية الجديرة بالقراءة والاحتفاء، وأفضل ما يمكن أن يحدث معي بعد هيامي بهذه الرواية الرائعة أن تحصل ترجمتها على جائزة مرموقة كجائزة ابن بطوطة، مما سيمنحها الفرصة لتحظى بقراءة أوسع تستحقّها، ويمنحني فرصة أكبر للتواجد في ميدان الترجمة الأدبية بعد فوزي بالجائزة، وإحساسًا بتقدير الجهد المبذول في ترجمتها، فترجمة رواية من هذا النوع تعني نقل النبرة وطريقة الحديث والأجواء وحتى الأشعار المكتوبة بالإنكليزية إلى العربية، بلسان عربي يحتفظ برشاقتها وأصالتها في الوقت ذاته، وهذا تحدّ كبير أرجو أن أكون قد وفّقتُ فيه. وأضاف: سحرتني رواية «حجر الدم» للكاتب والباحث البريطاني الكبير تيم ماكنتوش -سميث المفتون بابن بطوطة، الشخصية الرئيسة في الرواية، وأغواني «حجر الدم»، الياقوتة العظيمة الشهيرة في رحلتها التاريخية، حيث أبقينا على العنوان الذي يحمل في طياته عظمة هذا الحجر الكريم والدم والمؤامرات والصراعات التي رافقته.
وقالت أحمدية إبراهيم النعسان، من سوريا، الفائزة في فرع الرحلة المحققة، وهي «مُسْلِيَّة الغريب في كل أمر عجيب، رحلةٌ إلى البرازيل من 1282هـ/ 1865م إلى 1288هـ/1871م لعبد الرحمن بن عبد الله البغداديّ الدمشقيّ المَدَنيّ الحَسَنيّ -الحُسَينيّ: الموضوع بالأساس بحث معد لنيل درجة علمية في جامعة القديس يوسف في بيروت بإشراف الدكتورة هبه شبارو سنو، لكن فكرة مواصلة البحث وربطه بتحقيق جديد تبلورت على مرحلتين، أولاً عندما زرت أختي في البرازيل ووجدت نص الرحلة في مكتبتها في تحقيق أنجزه باولو دانيال إلياس فرح وكان أن قرأته في ليلة واحدة، إذ كان النص شيقاً وغنياً ، وقد تُرجم إلى البرتغالية والإسبانية والإنكليزية. فكان صيداً ثميناً حقاً وضعته في حقيبة سفري عندما عدت عازمة على تقديم دراسة موسعة للرحلة، فقد حملني هذا النص إلى الماضي فسمعت أصداء الحياة السالفة ورأيت جسور التواصل بين البشر، وعندما بدأت البحث حول هذا النص القصير (65 صفحة) من ناحيتين الأولى تاريخية والثانية لغوية وأدبية، اكتشفت شخصية الكاتب شاعراً ورحالة إلى الهند أيضاً، وهكذا شرعت في الدراسة ليسلط البحث الضوء أيضا على هذا الجانب الجديد، لاسيما بعدما حصلت على مخطوطة مسودة ديوانه في مكتبة لايدن في هولندا.
وأضافت: ما سلف هو أولاً. أما ثانياً، فقد تبلورت الفكرة بصورة أكثر تركيزاً عندما تواصلت مع المركز العربي للأدب الجغرافي، واقترح علي تقديم تحقيق جديد لنص الرحلة ولديوان الشاعر ينشر في جوار الدراسة، وهكذا اتسع العمل وكانت النتيجة هي تحقيق جديد ودراسة شاملة للنص والرحالة والعصر.
وتابعت: هكذا لقيت تشجيعاً علمياً وأدبياً من القيمين على المركز والجائزة على سبيل تقديم التحقيق الجديد مصحوباً بالدراسة. ولهذه الجائزة أهمية كبرى في حياة الباحثين، فهي تقدم دعماً معنوياً هائلاً لهم لكونها تنشر أعمالهم وتوزعها وتتيح لها التغطية الإعلامية التي تستحقها الأعمال الفائزة.
نقلة عالمية
قال الدكتور حسونة المصباحي الذي فاز في فرع اليوميات عن يوميات في إسطنبول: سعدت جداً بهذه الجائزة؛ لأنني كتبت كثيراً في أدب الرحلة منذ الثمانينيات في القرن الماضي عندما أصدرت كتابي الأول «التيه»، وأعقبته بـ«يوميات ميونيخ»، و«العودة إلى ميونيخ»، و«يوميات الحمامات». وأضاف: هذا الكتاب هدية لإسطنبول ولكل من يعشق هذه المدينة التي تذخر بالتاريخ، فقد أخذت القليل الجميل عندما قمت بزيارة أختي تسعة أيام، استطعت فيها أن أمتلئ بالمدينة وتاريخها وأساطيرها والكتاب الذين مروا بها.
وأكد المصباحي أن العرب كانوا مسافرين كبار شاكراً، القائمين على الجائزة الذين نقلوا أدب الرحلة نقلة عالمية حيث نجد رحلة ابن بطوطة مثلاً ترجمت إلى كل لغات العالم، وكذلك ابن فضلان وابن جبير وغيرهم.