محمد عبدالسميع
تُعدُّ الرواية من الأجناس الأدبية المهمة في نقل الواقع أو التذكير بالماضي أو استشراف المستقبل، ولكلّ روائيٍّ أسلوبه وغرضه من وراء ذلك، من خلال رؤيته وأهدافه التي يتوخاها من هذا الفن السردي الجميل، الذي يلخّص أفكارنا ويحملها إلى الآخر، فضلاً عن تأثيره فينا وفتحه أبواباً من التفكير تجاه هذا الأمر أو ذاك.
وفي الرواية الإماراتية، نحن أمام أسئلة الحاضر ومعطياته ورؤاه والتفكير فيه، وجلب الماضي وقراءته أو جعله يتخلل أعمالنا الأدبية للإفادة منه، أو ليكون متكئاً نحو متغيرات جديدة في هذه الحياة، والسؤال الذي نسأله دائماً هو: هل الرواية فقط عالم جمالي أم خيالي أم يعيش المؤلف فيه منعزلاً عمّن حوله، غير مهتم بما يعيشونه أو يواجهونه كأجيال لها تحديات وتطلعات؟!.. وهل من الضرورة بمكان أن نحدد الكاتب بفكرة قديمة أو حديثة أو مستقبلية، أو حتى راهنة ليتناولها في أعماله والبناء عليها كفكرة تؤثر في القراء وتلقى القبول عند تناول هذه الرواية بالقراءة والنقد؟ 
في الواقع، كلّ ذلك أمر مطروح، وإذا نحن وضعنا جانباً الشروط الفنية والجمالية في كتابة الرواية، كمسلَّمات في العمل الأدبي، باعتبارها شروطاً لا غنى عنها لأي كاتب رواية، فإنّ مناقشة الفكرة أمرٌ ضروري يُلحُّ علينا، حيث إنّ أيّ عمل أدبي، روايةً كان أو غيرها، لا يمكن أن يسير في فراغ أو يكون بلا فكرة، ومن هنا نتداول هذه الأفكار مع عدد من الكتّاب حول مواكبة الرواية الإماراتية للواقع وتغيراته وقراءتها لتفاصيله، كجزء من رسالة الكاتب ورؤيته للأمور واهتمامه بأن تكون الرواية، وكما هو معروف، شكلاً فنيّاً له شروطه، ومضموناً يحمل الأفكار والرسائل والتطلعات.
كما أنّ السؤال الذي يبرز أيضاً هو مدى تحقيق الرواية الإماراتية لغرض قراءة الواقع ومعطياته، وما هي النسبة في ذلك، أو الكفاية القرائية للأديب، تجاه هذا الواقع، وهل يؤثّر الخيال وعوالمه على انغماس الكاتب في أفكار الأجيال وتحدياتهم، وهل ينسحب الكاتب إلى الماضي، فيعيش فيه تاركاً الحاضر بلا معالجات أو أسئلة روائيه تعاينه وتنظر فيه، وتتخذ من إفرازاته مادةً جديدةً للرواية؟

التغريد خارج السرب  
تقول الكاتبة نورة الظنحاني: إنّ الرواية فنٌّ سردي يتميّز بتفاصيله المعقدة، وحبكته الدرامية، وفيها تقنيات أدبية وتصورات للكاتب في معالجته للشخصيات والأحداث، بحيث يدير الكاتب كلّ ذلك وفق رؤى وأبعاد متنوعة. 
وتضيف الظنحاني في قراءتها لمواضيع الرواية، أنّ الكاتب غالباً ما يتوجه إلى مواضيع معروفة، مثل الحب والصراع والمغامرة والمجتمع والسياسة والدين، وغيرها، وبخصوص أساليب السرد المتَّبعة عادةً، تشير الظنحاني إلى أنّ هذه الأساليب تتنوع ما بين الأسلوب الرومانسي، والفانتازي، والخيال العلمي، والبوليسي، والتاريخي، والواقعي، ومن كلّ هذا تنصح الظنحاني بأن نعمل على توجيه الكتّاب إلى فنّ الرواية، كعمل جميل ويحمل رسالة، وكشكل مرغوب من أشكال الأدب العربي، لا سيما في الفترة الأخيرة. وتلفت الظنحاني إلى أنّ علينا أن نستفيد في ذلك من المساحة المعطاة لكتّاب الرواية من الجيل الجديد، في امتلاكهم جرأة الحديث في المواضيع، وتوافر هؤلاء الكتّاب على معطيات وأحاسيس تنفع هذا العمل الأدبي، مثل موضوع «الغربة» على سبيل المثال، وما يفرزه من إبداعات، وهو موضوعٌ قالت إنه يجعل الكاتب منعزلاً ربما عن محيطه وواقعه، ويقلل من البصمات الأصيلة لصاحب العمل الروائي، في بُعده، حتى عن التغريد خارج السرب المألوف، وفي السياق تذكر أن من شأن ذلك أن يعمل على عدم استثمار بعض أساسيات الكتابة، مثل استثمار كنوز الفصحى لتعزيز الإبداعات وتقويتها، بحجّة البساطة وسهولة التناول.

المواضيع الحديثة  
ويرى الكاتب وليد المرزوقي، أنّ الرواية الإماراتية، كفن أدبي، وصلت إلى الأدباء الشباب الذين أمسكوا بخيوط هذا العمل الجميل، فعبّروا من خلاله عن واقعهم وتحدياته وتطلعاته، حيث أحدث دخول الشباب إلى عالم الرواية تغيّراً كبيراً في استجابة الرواية لمتغيرات الواقع، بدليل أنّ كثيراً من الشباب باتوا يقرؤون ما يجري على صعيد الواقع وتفاصيله، وبعضهم بات يذهب إلى المستقبل، وهو أمرٌ مُهمّ في رؤية ما هو قادم من الأيام، باعتبار الكاتب عيناً على المستقبل وبوصلةً له، فكان أنّ منهم من كتب عن أحداث وأمور متخيلة بعد 100 سنة، على سبيل المثال، كما هو حال الروايات الإماراتية التي ظهرت خلال الفترة الماضية، وتناولت مواضيع المريخ ووصول الإمارات إلى الفضاء، كجزء من الاحتفاء الوطني وقراءة المستقبل ومعطياته.

أما الكاتبة آمنهة عبيد الخياط، فكان رأيها وسطاً بين الماضي والحاضر، حيث لم تنكر أنّ الرواية الإماراتية استطاعت أن تقرأ الحاضر أو الواقع وتنظر فيه وتعاين مفرداته وتحدياته، ولكنها ترى أنّ هذه القراءة ربما تكون قليلة أو غير كافية، قياساً إلى ذهاب الكتاب الروائيين إلى الماضي واهتمامهم به واستعادته أو استجلابه في مادةٍ روائية، فكان أنّ أصبحت قراءة الواقع والتغيرات التي طرأت على المجتمع هي قراءة ضئيلة، كما ترى، قياساً إلى الماضي كموضوع لهذه القراءة، وتعزو الخياط هذا إلى التغيرات السريعة الهائلة التي طرأت على المجتمع، في ظلّ المخزون الكبير لدى الكاتب، والإنسان الإماراتي بشكل عام، وحالة الاعتزاز بهذا الماضي وتقديره التقدير الذي ينبغي، كماضٍ أصيل يستلهمه الكتّاب ويعملون على أن يتخلل كتاباتهم، هذا مع حضور الواقع بقوّة، ليكون استرجاع الماضي في العمل الروائي أمراً معمولاً به بشكل عام لدى كتّاب الرواية اليوم، مع أنهم يقرؤون الحاضر والمستقبل في ما يكتبونه من أعمال.

سؤال الراهن 
من جهتها، ترى الكاتبة نوف الحضرمي أنّ الرواية الإماراتية استجابت إلى الراهن الذي نعيش، كواقع على الروائي أن يتناوله بأسلوبه الأدبي الذي يريد، مشيرةً إلى أنّ هذه الرواية قرأت متغيرات الواقع وبحثت فيه وفي مستجداته، بعد أن كان الوضع النمطي هو السائد في الأدب والكتابة العربية بشكلٍ عام.
وتقول الحضرمي: إنّ المؤلفين والمؤلفات من كتّاب الرواية فتحوا أعينهم على موضوع «التجريب» في العمل الروائي وقراءة المضامين الجديدة، فكان الواقع في العمل الروائي قريباً من الخيال، إذ أصبح نمط الخيال واضحاً في الكتابة الروائية في عصر يواكب الجيل الحديث ويقرأ متغيراته.
هذه المواكبة، تقول عنها الكاتبة الحضرمي، إنها جاءت لتدخل في أعماق المجتمع اليوم، في عناوين عديدة وفق جماليات متنوعة وصور إنسانية بين الحنين والحب وغياب الأسرة، إضافةً إلى هدف توعية الجيل الحالي من خلال الكتابة الروائية بكل معطياتها، حتى إنّ البيئة دخلت في ذلك، وتقول الحضرمي: إنّ المواضيع وافرة جدّاً وبلغت من الوفرة بحيث اتجه كتّاب الرواية إلى تناولها، مثل موضوع «التنمر» على سبيل المثال، وصعوبات التعلم، وغير ذلك من المواضيع التي يكون التزام الكاتب بالكتابة عنها وفق تصورٍ ورؤية لا تمنع من تباين الأسلوب الأدبي والتقنيات المستخدمة وفقاً لإرادة الأديب في ذلك، وهو ما جعل الرواية تتغلغل إلى تفاصيل المجتمع وتقرأ عناوينه ومفرداته الجديدة.
وتضيف الحضرمي إلى ذلك أنّ السنوات الأخيرة شهدت سمات فارقة في الرواية الإماراتية، من حيث المواضيع الجديدة، وهو ما انعكس بالإيجاب على الرواية في فنون السرد المستخدمة، للارتقاء بها إلى مستويات لائقة في تقنيات الكتابة وفنون السرد.

النهايات المفتوحة 
أخيراً، يرى الناشر والناقد أمجد ياسين، أنّ الكتابة هي ملازمة للإنسان في شتى عصور المعرفة والتعبير، وهي شاهدة على الزمن وتطوراته، وكذلك هي راصدة لكلّ التطورات المصاحبة للمجتمعات كتحولات مهمة، وبالتالي فإنّ الرواية لم تكن استثناءً من ذلك، إذ كانت هي الأخرى تتأثر بتطوّر المجتمعات والشعوب ومراحل هذا التطور، فكانت تنتقل من جيل إلى جيل وفق ما هو متاح من رؤى وإمكانات، وهو ما ينطبق على كل الفنون والآداب والفكر في الدرجة الأولى، فكانت الكتابة الروائية تحمل همّ الإنسان وتطلعاته وآفاقه، وتعبّر في الوقت ذاته عن ملامح المجتمع في أسلوب حياته وظواهر هذه الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية عبر هذه المراحل.
ويرى ياسين، أنّ الروائيين الشباب أصبحوا يقدّمون أعمالهم بطريقة حداثية اعتمدت في بعضٍ منها على النهايات المفتوحة، كتقنية حديثة، وهو ما شكّل إغراءً للأدباء لاستخدام توليفات روائية وأساليب جديدة، وفقاً لمدى انفتاح الرواية على عالم القراءة والتأويل بسبب هذه التوليفات الروائية الجديدة.