ريم البريكي (نيودلهي)
في حكايات مختلف الشعوب والثقافات قد يسرد كثير من قصص الخيال التي يكون أبطالها أحياناً أميراً وأميرة توج الحب نهاية سعيدة لحياتهما، والواقع يقول إن هذا النوع من القصص الشاعرية الملهمة يصنعها الحب فقط، بل إنه قد يصل إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير حين يجعل نتاج هذه المشاعر تذكاراً تخليدياً لأسمى العلاقات الإنسانية، ولعل هذا هو، باختصار، ما يرمز إليه صرح تاج محل، الذي جمع بين الحياة والموت، بين شخصيات رحلت عن عالمنا، ولكنها ما زالت تُذكر بين الناس من زوار هذه التحفة المعمارية النادرة التي جاءت فكرة بنائها تخليداً لذكرى امرأة هزت قلب الإمبراطور المغولي شاه جيهان الذي كان يعتبر من أعظم ملوك عصره وأكثرهم قوة، ليصنع لها ضريحاً يزوره مختلف الناس عبر الأجيال، ومن كافة أنحاء العالم، ليكون هذا الصرح واحداً من أجمل نماذج طراز العمارة الإسلامي، حيث يعرف على نطاق واسع بوصفه جوهرة الفن الإسلامي.

في ذكرى «ممتاز بهيج»
والمرأة التي شيد لأجلها أجمل وأفخم المزارات في العالم عرفت باسم «ممتاز بهيج بانو»، وأُطلق عليها أيضاً اسم «أرجوماند بانو»، ويعود أصلها إلى بلاد فارس، وهي إحدى زوجات الملك شاه جيهان الثلاث، ولكنها كانت المفضلة لديه، وتزوجها وهي في العشرين من عمرها.
وخلال زيارتنا لتاج محل، أشار شمس الدين، أحد المرشدين السياحيين بالموقع، إلى أن تعلق الإمبراطور شاه جيهان بزوجته منشؤه جمالها الأخّاذ، ورجاحة عقلها، كما أنجبت له 14 من الأبناء، وقد توفي من أولادها ثمانية وعاش ستة منهم ابنتان وأربعة أبناء ذكور، مشيراً إلى أن المزار بني على ضفة نهر «يامونا»، ويسمى المبنى باسم «مكارانا».
وأكد أن المزار تم بناؤه في القرن الـ17، في مدينة «آغرا» بولاية أتربراديش، حيث بناه الملك بعد وفاة زوجته ليكون مزاراً مخلداً لذِكرها، وشيد بجواره مسجداً ليكون دار تعزية يستقبل فيه جميع المعزين من الملوك والأمراء، ويقابله في الجهة الأخرى أيضاً مبنى يستقبل فيه عامة الناس للدعاء والذكر والصلاة على روح زوجته المتوفاة. 

المبنى الأسود
وأضاف المرشد السياحي شمس الدين: «بالنظر إلى المبنى يتضح البذخ في بناء وتصميم المزار والمواد المستخدمة في تشييده، وهو ما رفع التكلفة المالية، فالأحجار التي صنع منها المبنى هي من المرمر الأبيض النقي المستورد من ولاية راجستان الهندية، وكذلك النقوش المزينة التي صممت من قطع الأحجار الكريمة والألماس، وقد تسبب ذلك الهدر الكبير في الأموال في بناء المزار إلى تدخل «أورانج»، وهو الابن الثالث لشاه جيهان وممتاز محل لمنع مزيد من هدر الأموال، وخاصة بعد علم الابن بنية الشاه جيهان مجدداً بناء مزار له هو أيضاً بعد وفاته باللون الأسود ليرمز إلى حالة الحزن التي عاشها الملك بعد وفاة زوجته، ويكون هذا المزار مقابلاً لتاج محل، ويرتبط المبنيان بجسر فضي. بيْد أن بناء المبنى الأسود لم ينفذ، وانتهت قصة تشييد أغرب ضريح في العالم بعد أن توفي الإمبراطور شاه جيهان في عام 1666، وتم نقل جثمانه إلى جوار محبوبته».

تصميم دقيق
كما تحدث شمس الدين عن القياسات الهندسية للمباني الثلاثة، موضحاً أنه قد جرى وضعها بشكل دقيق، فالمسافة بين البوابة الأولى والثانية للمزار متساوية، كما أن المسافة بين البوابة الأخيرة وبوابة تاج محل أيضاً متساوية دون زيادة أو نقصان، وهذا يوضح مدى التقدم العلمي والتفوق في علم القياسات في ذلك الزمن، مشيراً إلى أن تاج محل يعد من أروع الأمثلة على الهندسة المعمارية المغولية، ويعتبر شاهداً على مجازات الحب والفخامة. وأضاف: «يتميز تاج محل بتصميمه الرائع وتفاصيله الجميلة، حيث يعتبر مثالاً حياً على فن العمارة الإسلامية في الهند».
 ولعل من غرائب هذا الصرح الأثري أيضاً أنه قد تم بناؤه من دون أي أساس أرضي، حيث حفر أسفل الأرض بعمق 370 متراً، وليس هذا فقط ما يجعل تاج محل مميزاً ومتفرداً عن بقية المباني في العالم، كما يؤكد شمس الدين، بل إن من المميزات الأخرى للمكان أيضاً تناسق الهيكل وتناسبه والتخطيط المتناسق المثالي للنصب التذكاري. وتصور النقوش التي تم نقشها على جدران المبنى من الخارج والداخل منحوتات لأشجار الكروم والزهور.

اللؤلؤ الأزرق
إن مصادر إبهار المبنى لا تقف عند التصاميم الفريدة أو قصة الحب الخالدة، فهناك أيضاً ميزة نادرة جداً للمبنى قد لا يحظى الكثير من الزوار بفرصة التمتع بها، لارتباطها الوثيق بتواريخ محددة من السنة عند اكتمال القمر ووصوله إلى حالة البدر، وهذا مرتبط بعمليات حسابية دقيقة تكشف مدى مهارة العمارة الإسلامية، وهو التقويم نفسه الذي اعتمد عليه المسلمون عند تشييدهم للعمارة الإسلامية في الأندلس، ففي هذا الوقت يأخذ المبنى ألواناً مختلفة عن اللون الأبيض حيث يكون أشبه بلون اللؤلؤ الأزرق. وأشار شمس الدين إلى أنه يسمح حينها لـ400 شخص، لا أكثر، بالدخول على دفعات فردية من 8 أشخاص فقط. وتُمنح كل مجموعة 30 دقيقة لاستكشاف النصب التذكاري الساحر تحت ضوء القمر الكامل.

مكونات المبنى
وبيّن المرشد السياحي شمس الدين أن المبنى الرئيسي يتكون من قبة كبيرة على شكل نصف قطرة ماء تعلوها ثلاث قباب صغيرة، وهو مزيج من الرخام الأبيض والجشة الحمراء، وتحيط به حدائق ذات مناظر طبيعية رائعة، وأُقيمت عند كل زاوية من زوايا المصطبة مئذنة متناسقة الأجزاء ارتفاعها 37م. وتحيط بدائرة كل منها ثلاث شرفات، وفي وسط المصطبة يرتفع الضريح في شكل رباعي، وتشغل الجزء الأوسط من البناية القبة الرئيسية، وقطرها 17م وارتفاعها 22.5م. ولكل من واجهات البناية الأربع مدخل عالٍ مغطى بعقد، وتحت القبة الكبرى التي تعلو وسط البناية ضريح ممتاز محل، وإلى جانبه ضريح زوجها، وكلاهما مزخرف بالنقوش الكتابية لآية الكرسي.
وأفاد أن المبنى الأثري قامت بتصميمه مجموعة من المعماريين، ترأسهم المعماري أحمد اللاهوري، وشيد بالمرمر الأبيض المجلوب من جدهابور، وعمل فيه آلاف الحرفيين، واحتاج إنجازه لأكثر من 21 عاماً، بداية من عام 1632م إلى عام 1653م، وقد نقل جثمان ممتاز محل من مكان دفنها إليه مباشرة بعد إنجازه.
رحلة عبر الزمن
تأخذ زيارة تاج محل الزوار في رحلة عبر الزمن، حيث يمكنهم استكشاف القاعات الرائعة والممرات المزخرفة والحدائق الخلابة. ويعد تاج محل واحداً من أهم معالم السياحة في الهند، وهو مصدر جذب سياحي شهير على مستوى العالم. فهو يجذب الملايين من الزوار سنوياً ممن يتوافدون للاستمتاع بجماله المعماري الرائع وتاريخه العريق، وبحسب شمس الدين يزور الضريح نحو سبعين ألف زائر بشكل يومي. 
إن زيارة تاج محل تُعتبر تجربة لا تُنسى وفرصة لاستكشاف واحدة من أعاجيب العالم والاستمتاع بروعة مشاعر المحبة التي ألهمت بناءه من الأساس.