هزاع أبوالريش (أبوظبي)
الفنان والمصمم الإماراتي هشام المظلوم يستلهم من منزله «ديواني» لغة تحاكي ثقافته وفلسفته وحياته، مرسخاً إبداعاته بتشكيلة فنية مُلهمة، جعلت منزله في إمارة الشارقة، تحفة معمارية وإيقونة عصرية - تراثية تختزل رونق اللغة العربية، والفن الأصيل الممتزج بعذوبة المعنى وجمالية الخط العربي. وهذا ما جعل المنزل كأول مبنى في العالم يتم بناؤه على هذا المستوى، فمشروع «ديواني» كان مدروساً بعناية كبيرة لإبراز ناحية مهمة، وهي تلازم فنيّ العمارة والخط العربي، وتمت مراعاة كل تفصيلة في البناء، حيث تبدو العلاقة بين المبنى والخط تبادلية ومتناغمة بحيث أصبح المبنى من حروف، وأصبحت الحروف مبنى يجسد روعة الإلهام.
يقول هشام المظلوم في حديثه لـ«الاتحاد الثقافي»: المنزل جاء من فكرة تحدي، ومن ثم إلى تنفيذ، حيث احتضن المنزل تفاصيل دقيقة جداً من الخارج والداخل عبارة عن فن العمارة المعاصرة والخط، واحتوى الخط على ثلاثة اتجاهات، وهي: الخط الأصيل للأعمال القديمة الأصلية مثل الثلث والنسخ والرقعة لأهم الخطاطين الرواد سواء من المتوفين أو المعاصرين من العالم الإسلامي، والتجربة الحديثة من فترة الأربعينات والذين عملوا نقلة نوعية على الحرف العربي أمثال نجا المهداوي وضياء العزاوي وغيرهم من الفنانين، بالإضافة إلى التجربة المعاصرة. لافتاً إلى أن إيمان الأصدقاء الزملاء من إن الإرث القديم المعاصر بإمكانه أن يحاكي الحديث ما جعلهم يقفوا معي في هذا المشروع بلوحاتهم الإبداعية الحاضرة في قلب المنزل وزواياه التي شهدت تلك اللمسات التشكيلية المبهرة.
حضور فني
ويتابع المظلوم: هذا الحضور الفني الضخم، واللوحات التي تحتفي بالإبداع وأهله وسط هذا المكان جعلت منزلنا مركزاً ثقافياً مفتوحاً لا يُغلق أبوابه، ومعلماً سياحياً يعكس أهمية الخط العربي، وجمالية الفن التشكيلي الذي يسكن في وجدان الإنسانية. مبيّناً أن اسم «ديواني» أخذ من أشهر خطوط اللغة العربية وهو الخط الديواني الذي كان يستخدم في أشهر القصور التاريخية كونه زاهياً بلمساته الأنيقة، بالإضافة إلى مرجعية المسمى التي ترمز إلى ديوان الشعر والكلمة. وكذلك «ديواني» كلمة تنطوي على دلالة متعددة المعاني، فهو الديوان والديوانية والمجلس الذي ترتاح به وتجد السكينة وأنت تتأمل جمال الحروف وهي ترتدي كل حلل الجمال الممكنة.
وأوضح المظلوم، أن المنزل جاء تصميمه من الخارج بهيكل مكسي بالحجر الأبيض، وتم تزيين الحجر بالخط الكوفي المنحوت، بالإضافة إلى الحجر الرمادي وعناصر أخرى في الواجهة، أما الفيلا فقد تم تصميمها بمحور مركزي مع توزيع المساحات بشكلٍ مدروس واستراتيجية واضحة الرؤية نتج عنها ظهور ساحات استطعنا الاستفادة منها بما يخدم المشروع. مضيفاً، أن العناصر البصرية التي عملنا عليها في المنزل تلامس واقع المعارض الفنية وتجعلك أمام تحفة معمارية مذهلة، ولوحة فنية كبيرة المحتوى والمضمون.
جائزتان دوليتان
أشار المظلوم إلى أن «ديواني» حاز على جائزتين مرموقتين على مستوى العالم، وجاءت الجائزة الأولى وبتصويت عالمي لأفضل تصميم عمارة معاصرة وتعرف باسم جائزة لوب للتصميم Loop Design Awards، وجاءت الجائزة الأخرى بتصويت كبير لأفضل تصوير فوتوغرافي لمبنى معاصر وتعرف باسم جائزة «رؤية أرجايز» Vision Architizer المختصة بالتصوير المعماري بالولايات المتحدة الأميركية بعد أن تم تطبيق فكرة مزج فن الخط العربي بتصميم العمارة المعاصرة. موضحاً: لا أنسى فضل أخي الفنان خالد الساعي منذ الانطلاقة الأولى لهذا المشروع إلى أن تحقق الإنجاز، وذلك بما يملكه من معرفة كبيرة وأفكار مختلفة خلال حواراتنا ودراساتنا لتكوين هذا الصرح المتكامل من البوابة الخارجية إلى أدق تفاصيله، وهو ما تجلى في هذا التماهي بين الحرف والمبنى، فكان نموذجاً يختصر مسيرة وتاريخ فن الخط، من حيث استعمال كل أنواع الخط، ولكن كل خط ضمن وظيفته وهدفه، كالثلث والنسخ والإجازة والديواني والجلي ديواني والكوفي بأنواعه والخط المغربي إلى الخطوط المعاصرة من الخط السنبلي والحر الجمالي، وأيضاً تم استخدام كل التقينات الممكنة من القديمة إلى المعاصرة، بالإضافة إلى استخدام كل مدارس الخط على مر العصور، فمثلاً هناك قطعة من الخط المسند محفورة على الصخر في حديقة المبنى، والخط الكوفي المعماري المربع، حيث يشكل الكتلة العلوية للمبنى ونصها من القرآن الكريم (رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين)، والتي تحقق فكرة المبنى في العمق، حيث الحرف العربي هو منزل للغة القرآن الكريم، لغة الضاد.
85 مبدعاً
يقول المظلوم: المبنى «ديواني» يحتوي بداخله على مجموعة مميزة من الأعمال التاريخية تصل لـ200 عمل إبداعي لرواد الخط العربي والفنانين على مر الزمان لأكثر من 85 خطاطاً وفناناً، وتمثل المدارس كافة: من المدرسة العثمانية ومنها على سبيل المثال أعمال للعمالقة الخطاطين مثل: حامد الآمدي ومصطفى حليم وغيرهم، ومن المدرسة العراقية العمالقة الخطاطين: ماجد الزهدي وعباس البغدادي ومن المدرسة المصرية العمالقة الخطاطين سيد إبراهيم وسعد الحداد ومن باقي المدارس الأخرى.
وقد كان للخطاطين المعاصرين مساهمة كبيرة من الأعمال، ومن أبرزهم: داوود بكتاش ومحمد أوزجاي وفاروق الحداد وغلام حسين أمير خاني وكرم علي الشيرازي وأنس الشامي ووسام شوكت والدكتور محمد بديع البوسوني وصلاح الدين شيرزاد وعصام عبد الفتاح وعامر بن جدو. كما يضم «ديواني» عملاً بخط الديواني الجلي للخطاط مهند الساعي، وهذا العمل يعتبر من أطول اللوحات في هذا الخط، وذلك على سبيل المثال لا أكثر، حيث تمت مراعاة حضور كل الدول التي لها شأن في مجال الخط العربي، وبالتالي تغطية البلدان كافة، وأنواع الخطوط كافة، وهذا على صعيد الخط التقليدي. أما على صعيد المدرسة الحروفية فيؤكد المظلوم، أنها أخذت حيزاً كبيراً واستثنائياً، ولعلها إحدى العلامات الفارقة والمميزة للمبنى «ديواني» وهي تنفيذ عدد من الجداريات بتقنية الفسيفساء على جدران المبنى الداخلية، وعمل في خارج المبنى، حيث جدارية «الحروفي الكبير» للخطاط نجا المهداوي، والتي تبدو كموسيقى بصرية تجريدية، وجدارية الفنان عبد القادر الريس والتي تحمل إشارات حرف الثلث وحرف الهاء، ثم جدارية ضياء العزاوي وفيها الحرف والعلامة والرمز، وجدارية خالد الساعي عن فكرة بستان هشام بن عبد الملك، بستان المعرفة والفن، وجدارية محمد نباتي وفيها الشعر والرسم يتناغمان بشكل جميل، وجدارية الفنان الجرافيتي «السيد» وهي تزين حوض «ديواني» خارجياً بألوان زاهية، صادحة.
وأضاف المظلوم، ومن الأعمال الضخمة القماشية ضم «ديواني»، عمل لمحمد العجلان من السعودية يتغنى فيها بالشارقة عاصمة الثقافة والفن في العالم العربي، وعمل مميز للخطاط الإماراتي حسين السري الهاشمي، كما تم تكليف العديد من الفنانين من العالم بأعمال فنية خاصة تتناسب مع حيز مدروس في المبنى، وبالتالي أصبح التناغم مذهلاً بين القديم والجديد التقليدي والمعاصر والعمل التطبيقي والتشكيلي. مثمناً دور زميله عبدالله الشامسي في تصميمه المعماري للمبنى وترجمته لأفكاره في إيجاده العلاقة المشتركة الإبداعية والجمالية في ترجمة هذه الأفكار والخطوط والحروف العربية مع المعايشة والاستخدام اليومي للمبنى من خلال الأفراد والحياة في المبنى.
معجم تاريخي
يشير المظلوم إلى أن «ديواني» يمثل معجماً مكثفاً وتاريخياً للخط العربي بكل استخداماته، حيث تجد المخطوط الصغير والمصحف والمرقعات والفرمانات بشقيها التقليدي، والمعاصر وتجد العمل الفني العريق لقطعة من «كسوة الكعبة»، وقد تم تنفيذها بشكل غاية في الاحتراف، وهناك أعمال على العاج وأخرى منحوتة على الخشب وعلى الجلسات والستائر والشبابيك والزجاج، ويكفينا عند مقبض باب دخول «ديواني» أن نجد عمل «البسملة» لأحمد القرة حصاري، و«خطوط» نظيف وسامي بيك وأحمد الكامل وأبجدية وتشريحات ابن مقلة و«بسملة» راقم افندي على شكل طائر، وأعمال خضير البورسعيدي وعصام عبد الفتاح وجمال الكباسي، وخطوط وتصاميم بالخط المغربي. مختتماً: المشروع وثيقة حية موسوعية لفن الخط، وليس فقط لفن الخط العربي، بل لشتى أنواع خطوط الأمم الأخرى، فالخط ممارسة فنية وثقافية واجتماعية وبالتالي تعكس حضارة بكاملها، كل ذلك يتجلى في «ديواني».