محمد عبدالسميع (الشارقة)

تزخر مملكة البحرين بتراثٍ عريق وماضٍ يشتمل على الكثير من المفردات الحيّة التي تقوم بها الدولة بثقةٍ متطلعةً إلى مستقبل تضيء فيه هذه المفردات على ماضي الدولة وحاضرها ومستقبلها المشرق بإشراقة الرؤية والعمل الثقافي الجاد للاحتفاء بهذه المكتسبات التاريخية العريقة، وفي مقدمتها الآثار والمتاحف والمسارات السياحية الثقافية، ما يجعل من العمل الثقافي فيها يتأسس على أركان قوية ونشاط واضح.
إنّ التراث، والفنّ، والسياحة، ومناسبات الثقافة العربية والإسلامية العالمية، أكّدت أهميّة المشهد الثقافي الغنيّ لمملكة البحرين، بكلّ ما فيها من تنوع وثقافات، علاوةً على الإبداع الأدبي والمعرفيّ والفني في كلّ مجالات الفنون والآداب.
وترتبط دولة الإمارات العربية المتحدة بمملكة البحرين بعلاقات تاريخية راسخة وأصيلة، كدولتين في منطقه الخليج العربي يتمتعان بنظرةٍ ثاقبة في كلّ المجالات الحيوية السياسية والاقتصادية، وبالتأكيد المجالات الثقافية التي تغلّف هذا كلّه كجزءٍ من احترام الألق التراثي والإبداعي لكلٍّ من البحرين والإمارات.
ومن يتصفح الجانب التراثي تحديداً في البحرين، سيقف حتماً على تعبير هذا التراث الواضح عن هوية هذه الدولة، كثراءٍ حقيقي تعتمده البحرين وتهتمّ به، بكلّ ما فيه من صناعات حرفية ويدوية تقليدية وفلكلور معبّر بتفاصيله عن العادات والتقاليد.

خصوصية وهوية
ومثل ذلك تقوم الإمارات بالعناية المستمرّة بتراثها والاهتمام بتفاصيله، من خلال خبرتها في إدارة العمل الثقافي، ومنه الجانب التراثي بشكل خاص، والشواهد والأمثلة الحيّة على ذلك كثيرة.
وتؤكد الدولتان على أنّ التراث هو خصوصية وهوية وأصالة على الأجيال ألا تنساه، حيث أطلقت البحرين شعارًا معبّرًا عن ذلك هو «تراثنا ثراؤنا»، كتراث إنساني ضارب في عمق التاريخ، ولذلك فإنّ للسياحة ارتباطًا وثيقًا بهذا الإرث، حيث تستند مملكة البحرين من خلال هذا الشعار على مفردات واثقة ومنسجمة في الآثار والعمران واللؤلؤ والرقصات الفلكلورية وأصالة الحِرَف والأزياء الشعبية والمأكولات التراثيّة والألعاب التقليدية.
وبالمِثل، فإنّ دولة الإمارات تشتمل على حضور بارز للتراث والاهتمام به في نشاطات عديدة يضيق المجال عن ذكرها، منها الأيام التراثية وحلقات الرواة الشعبيّين، والأشعار الشعبية والنبطية، وفرق الغناء والشلات وكلّ مجالات الفنون، وما يتخلل ذلك من مقترحات جمالية ثقافية عملية في ذلك.
وقد بادرت البحرين، كعناية بهذا التراث الأصيل، إلى تسجيله لدى منظمة اليونسكو العالمية، في حضارةٍ عمرها 5000 عام، كما بادرت الإمارات أيضاً إلى تسجيل تراثها البارز والعريق لدى اليونسكو في مفردات عديدة.
وفي إطار التراث أيضًا، تعتبر المتاحف في كلا البلدين من أهمّ الأيقونات التي تُزار سياحيًّا، وتحظى بحضور ثقافي رائع، حيث يقف العمران القديم ليقول كلمته في حضارة المنطقة وعراقة أرضها لأزمان ما قبل الميلاد، كما في «دلمون» التي يتغنى العرب والعالم بحضورها التاريخيّ الكبير في مملكة البحرين.

ازدهار الفن
ويزدهر الفنّ في كافة فروعه في البحرين، وخاصةً الفنون التشكيلية، وكذلك المسرح والتمثيل والموسيقى والسينما والغناء المستمد من الكلمة التراثية الأصيلة واللهجة المتميزة. والأمر ذاته في دولة الإمارات، حيث أصبحت الكلمة التراثيّة المغنّاة موشّاةً بكلّ ذلك العبق المتمثّل في الشلات الغنائية والأشعار التي تصدح بها المنابر المهرجانية، وكذلك المنصات والملتقيات الشعرية النبطية في الإمارات. إنّ انتباه الدولتين إلى قيمة الفنّ والتراث في تعزيز الحضور الثقافي والهوية الوطنية أدى إلى أن يتوهج عمل المؤسسة الثقافية في البلدين، في الكثير من الأعمال المنتظمة والمهرجانات المتخصصة، لترويج التراث بناءً على رؤية حكيمة ومشتركة، من خلال حضور الأسابيع الثقافية والمشاركات البحرينية الجادّة في الاستضافات العربية والخليجية والعالمية التي تقام على مدار العام في دولة الإمارات، ليظلّ الصوت الإبداعي البحريني يصدح من خلال المنصة الإماراتية بما يقابله من حضورٍ تراثي احتفاليّ إماراتي في البحرين، في نشاطات قائمة على التنسيق والبروتوكول الثقافي والتبادل المعرفي، ليس فقط في مجال الفنون، بل وفي مجال الآداب والنشر، والتمثيل الثقافيّ في الوفود عند توقيع الاتفاقيات الثقافية الرامية لانسياب وتسهيل العمل المشترك في هذه الحقول والمفردات.
ولقد تجلّت العلاقة الثقافية بين البحرين والإمارات من خلال فوز كلّ دولة في هذا المجال بمسميات ومناصب عالمية أكدت حضور الجانب الثقافي فيها، مثل فوز مدينه المنامة البحرينية بلقب عاصمة الثقافة العربية 2012، وكذلك فوزها لتكون عاصمةً للسياحة العربية عام 2013، واختيارها كذلك عاصمةً للسياحة الآسيوية لعام 2014، واختيارها عاصمةً للسياحة الخليجية في العام 2024.
وفيما يتعلق بدولة الإمارات، فقد فازت الشارقة كذلك بلقب عاصمة الثقافة العربية عام 2011، وكذلك فوزها بلقب عاصمة الثقافة الإسلامية عام 2014، والغرض من ذلك هو بيان مدى الاستحقاق الوطني للبلدين في المجال العربي والإسلاميّ في الشأن الثقافي، بما يحقق الأهداف التي قامت عليها هذه التسميات والمناسبات.

احتفاء بالتراث
وفي خضمّ هذه الحفاوة العربية والعالمية أيضًا بمملكة البحرين، فإنّ اشتمالها على جهود إحياء المفردات القديمة وترميمات الأسواق وإعادة ألقها والاحتفاء بالعمران الأصيل وما يحمله من رسالة الماضي، يجعل منها دولةً واثقةً في العمل الثقافي وترسيخ الهوية، كما فعلت دولة الإمارات أيضًا، على سبيل المثال، في إتاحتها الحصون والقلاع للزوّار بكلّ وضوح تراثي دون رتوش، وكذلك الأسواق التراثية والمقتنيات القديمة من عمر الدولة، ليسير المشهد الثقافي في كلا البلدين بقوةٍ اعتمادًا على الأثر الكبير الذي يتركه العمل الثقافي من وعيٍ وفهمٍ وإبداع لدى المجتمعات.
ولقد كان «مسار اللؤلؤ» الثقافي السياحيّ في البحرين نموذجًا في الاحتفاء بالتراث والماضي، من خلال هيئة البحرين للثقافة والآثار، لقراءة ثقافة وهوية التراث واقتصاده أيضًا، حيث كان تسجيله على لائحة التراث الإنساني لليونسكو تجسيدًا لتجربة تاريخية وثقافية ومعرفية إنسانية، كما كانت المتاحف والبيوت التاريخية والمواقع المسجلة على قائمة التراث العالمي لليونسكو ذات قيمة وأثر ثقافي كبير، مثل قلعة البحرين ومسار اللؤلؤ ومدافن «دلمون»، وتسويق هذا التراث إلى الآخر العالميّ في جوٍّ من الشراكة الحضارية والإنسانية.
لقد سبق وأن فازت مدينة المحرق البحرينية بكونها عاصمةً للثقافة الإسلامية، حيث اختيرت من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «الإيسيسكو»، لاسيما وأنّ البحرين كان لها إسهامها التاريخي الحضاري مع جوارها، مثل بلاد ما بين النهرين، ولذلك جاءت خطة الدولة واثقةً في رفع مستوى الوعي بمدى أهمية هذا التراث المحلي وتنوعه الثقافي.
وعلى مستوى الرؤية بين البحرين والإمارات، نستطيع أن نقول إنّ هذه الرؤية تعمّقت وتجسّدت من خلال إيمان كلا البلدين بقيم التسامح والتوادّ والعمل والبناء والمشاركة الثقافية مع فكر الآخر وقراءته، بما في ذلك من احترام للأديان وحريّة العبادة والمعتقدات الفكريّة، وهو أمرٌ توليه دولة الإمارات العربيّة أهميّة كبيرة، وكذلك البحرين في احترامها لحريّة الدول والشعوب في ذلك.

تبادل ثقافي
وتلعب معارض الكتاب دورًا كبيرًا في الإمارات، كمعرض أبوظبي للكتاب والشارقة للكتاب، في احتضان الكتاب البحريني الغني بتفاصيله، وكذلك في التبادل الثقافي من خلال المجلات المتخصصة، كمجلة الثقافة الشعبيّة التي تعبّر عن رسالة التراث الشعبي من البحرين إلى العالم، والتي أثبتت حضورها من خلال جديّتها وحضورها الكبير كمرجع معتمد على خريطة الأبحاث التراثيّة وقراءة التفاصيل الشعبيّة في مجالات عديدة.
وقد تجسّد الحضور الثقافي البحريني في الدورة الماضية من دورات أيام الشارقة التراثيّة، التي استضافت أعمال الجمعية العمومية للمنظمة الدوليّة للفن الشعبي التي يرأسها الشاعر البحريني علي عبدالله خليفة. كما كان للحضور الثقافي والتراثي البحريني في معرض إكسبو العالمي بدبي حضور واضح في الجناح البحريني في المعرض.
وسبق أن تمّ توقيع مذكرة تفاهم بين مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث بمملكة البحرين ووزارة الثقافة والشباب بدولة الإمارات، بهدف دعم إعادة ترميم وتأهيل عدد من البيوت التراثية بمملكة البحرين.
وهكذا، فإنّ العلاقات الثقافية الإماراتية البحرينية تعتمد على الرؤية المشتركة والتطلعات الواحدة نحو بناء وعي الإنسان بماضيه وحضارته وبمستقبله المشرق، والعمل الدؤوب والواثق من أجل تحقيق ذلك.
كما تتشارك الدولتان في أفراحهما كلّ عام بالعيد الوطني لكلٍّ منهما، ترسيخاً للعلاقات التاريخية الأصيلة بينهما كدولتين خليجيتين حققتا نتائج رائدة في مسيرة التنمية في شتى المجالات والميادين.