محمد نجيم (الرباط)

دخل شعر الهايكو الياباني إلى بيت القصيد والشعر من بابه الواسع، من خلال أسماء مارسته كتابة وبحثاً وتلقياً ودراسة، سواء على مستوى الأفراد أو الجامعات، وقد أصبح هذا الشعر معترفاً به في الثقافة العربية والمغربية، ولدى عدد من مراكز البحث والجامعات ومن خلال «بيان الهايكو» الذي ألقِي في ختام فعاليات ندوة الهايكو الثانية التي نظمت بمدينة وجدة المغربية، وقد عرّفه كظاهرة لافتة للنظر في مشهدنا الشعري العربي اليوم، إذ بات يكتب في مداره، أو على منواله، العديد من شعراء القصيدة المعاصرة منذ ستينيات القرن العشرين على أقل تقدير، فيما يتناوله اليوم، بالكتابة والدرس، مبدعون ومترجمون ونقاد بمستويات متفاوتة من الاهتمام والعمق. كما خصصت له صفحات بمواقع الاتصال الاجتماعي، وكرست لكتابته دواوين ومختارات عربية ومترجمة وتناولته دراسات نقدية.
كما عُرف «الهايكو» الياباني الكلاسيكي بوصفه قصيدة بيت واحد من دون وزن ولا قافية. فهو قصيدة نثر تتألف من ثلاثة سطور شعرية وجيزة، ذات إيقاع ونفَس مضبوطين. تترجم أحاسيس الإنسان ومشاعره من خلال استلهام المشاهد الطبيعية ورصد المواقف الإنسانية في لحظة حدوثها، أو استحضارها من خزين الذاكرة وانزياحات الخيال إلى بوتقة اللحظة الآنية. ومع انفتاح اليابان الحديث على العالم، منذ عهد «ميجي»، طور شعراء الهايكو اليابانيون قصيدتهم ودأبوا على التجريب والاستلهام أيضاً من منجزات مدارس الغرب الأدبية من رومانسية وواقعية وسريالية وغيرها. وهذا ما أفضى إلى ظهور قصيدة هايكو حديثة معاصرة وقصيدة «هايكو العالم» متحررة من لوازم الشعر الياباني التقليدي، ومنفتحة على خبرات العالم وتجارب الذات وأحلامها.
وعن تجربة هذا النوع الشعري في المغرب صدر كتاب «الهايكو المغربي: السياق والحقل» للكاتب عبدالقادر الجموسي، الذي يؤكد فيه أن قصيدة الهايكو تحتفي بالحضور الحسي للأشياء والموجودات، ولا تحتاج «ميتافيزيقا» كي تكتسي جدارة الانتماء لدائرة الجميل وتحقيق الأثر المنشود من كل أدب رفيع. كما تعمل قصيدة الهايكو، وذاك أيضاً من عناصر قوتها، على توظيف طاقات اللغة الإيحائية لاستشارة خيال القارئ وإشراكه في تمثيل الصور الشعرية وصوغ المعنى وتشخيص المواقف الإنسانية.
ويمنح الهايكو شاعره هبة التفاعل المرح مع كائنات الوجود، دون حشد استعارات أو مجازات موغلة في التجريد والغموض، وهذا ما يجعله شعر البساطة العميق أو شكل العمق البسيط ضد دعوى كتابة «الشعر الكلي» و«القصيدة الكلية» التي شغلت بعض شعراء الحداثة، حيث يبتهج شاعر الهايكو باللحظة المتفردة وبجمالية الجزئي والعابر والهامشي. وبعيداً عن بلاغة «الرؤيا» و«الكشف» يحتفي شاعر الهايكو بنعمة الحواس وذكاء القلب واستنارة العقل التي تفضي إلى الانتباه للمألوف والمبهج والمدهش من مشاهد الطبيعة والمواقف الإنسانية لاكتشافها من جديد.