الشارقة (الاتحاد)

في أمسية ثقافية استثنائيّة، شاركت الروائيّة الجزائريّة أحلام مستغانمي جمهور معرض الشارقة الدولي للكتاب 2023، احتفالها بإصدار روايتها الجديدة «أصبحتُ أنت» ومرور 30 عاماً على روايتها «ذاكرة الجسد»، حيث استهلت الأمسية بالقول: «منذ عقود وأنا أواعد القرّاء هنا في هذا المعرض بلهفة لقاء عاطفي، فثمّة بهجة ما وفرح منثور بالأجواء يجعل منه عرساً لا تُصادف فيه إلا أناساً سعداء بلغوا ذروة العمر الجميل، إنهم في الأربعين فقد ولدوا وكبروا مع هذا المعرض فللقارئ عمر قراءاته. مع الشارقة غدت للعام فصول خمسة خامسها فصل الكتاب، ففي كل نوفمبر تمطر السماء فرحاً وكتباً، بل العام هنا فصلٌ واحد فمهما كان التاريخ الذي تزور فيه الشارقة فأنت في موسم الكتب حيث بساتين الروايات ومروج الشعر تتفتح في كلّ أيام السنة».

ذاكرة الجسد
وأضافت مستغانمي، في الأمسية التي أدارتها الإعلاميّة البحرينية د. بروين حبيب: «كتاب ذاكرة الجسد كان حدثاً غير متوقع في حياتي، كتبت هذا الكتاب أثناء دراستي في فرنسا، كان لدي 3 أطفال صغار وما كان لي من أحد ليساعدني، كنت أكتب هذه الرواية ليلاً ومعظم الوقت كنت أخفي الأوراق تحت السرير خوفاً عليها من الأطفال. استعنت لكتابتها بما كان في حوزتي وذاكرتي ليس أكثر، برسائل أبي وما أعرفه عن الثورة الجزائرية وقصصي الخاصة، لم أكن أتوقع أبداً أن تحقق هذه الرواية ذاك النجاح المذهل».
وتحدّثت حول تجربتها مع الشاعر نزار قباني فيما يتعلّق برواية «ذاكرة الجسد»، مشيرة إلى أنها عندما التقت بنزار قباني بعد صدور الرواية، طلب منها الاطلاع عليها، وقالت: «رغم صداقتي مع نزار خجلت من أن أعطيه الرواية، فمن أنا ليقرأ نزار قباني كتاباتي. ولكن فوجئت بعد أيام من حصوله عليها باتصال منه يخبرني أنّ الرواية دوّخته».

أصبحت أنت
وحول روايتها الجديدة «أصبحت أنت»، قالت مستغانمي: «كان السؤال لدي هل يقرأ الأموات؟ لأني أكتب لأبي وفي الوقت نفسه أخاف أن أكتب ما يبكيه، ماذا لو كان الأموات يقرؤوننا حقاً؟ هذه الفكرة أبكتني. كتبت فقرات في هذه الرواية وأنا أبكي. لا أريد لأبي أن يعلم بما جرى بعده، كنت أريده أن يموت وهو مطمئن وسعيد. ما زلت أكتب وكأن أبي يقرؤني. إنه يحكمني من قبره وأفاخر بذلك، ولذلك أنا أؤمن بأن المرء يوقّع بأصله لا بقلمه. اكتشفت أثناء كتابتي لهذا الكتاب أنني أصبحت أبي. فنحن جميعاً عندما نفقد من نحبّ ونشعر بعجزنا على استحضار من فقدنا، نصبح نحن إياهم».
وتناولت أحلام مستغانمي علاقة الكاتب بالقرّاء، حيث أشارت إلى العلاقة الفريدة من نوعها التي تجمعها بقرائها: «فهم يستنجدون بي ويأتمنونني على قصصهم الخاصة، وبعض هذه القصص كنت طرفاً فيها». وذكرت العديد من المواقف التي حصلت معها في معارض عدة من بينها معرض الشارقة الدولي للكتاب، وقالت: «أتذكر في إحدى السنوات أنني جلست لمدة 7 ساعات ونصف أوقّع أحد كتبي وعندما عجبت لصبر القراء وانتظارهم الطويل أخبرني أحدهم مازحاً بأنهم أثناء ذلك تعرّفوا على أصدقاء جدد وبعضهم وجد عملاً بل ووجد من قد تصبح رفيقة عمره وهذا ما حدث فعلًا فالبعض يعود إليّ في معرض آخر ليقول إنه التقى بزوجته وهو في انتظاري. وأعتقد أن أحد أسباب هذا الاهتمام هو أنني أوقّع بقلبي لا بقلمي». كما قالت: «إنني في كتبي أغلّف المواضيع السياسية بالحب، لأنه لا يمكن أن تقدمي التاريخ هكذا للقارئ، لا أحد جاهز اليوم لقراءة قصص تاريخية».

سرّ النجاح
وأضافت: «أنا معنيّة ومهتمة بهذه الأمّة وسرّ نجاحي هو أن القارئ العربي يعثر في كتبي على نفسه. هناك كُتّاب يفكرون في المكسب الفوري، ويعنيهم أولاً أن تترجم أعمالهم في أوروبا. بالنسبة لي أنا أقيم هناك في أوروبا وأعرف كيف يمكن أن تنجح في تلك البيئة، التي لا تتوافق توجهاتها مع قناعاتي، ولن أتنازل عن عقيدتي ولن أتنازل عن شعوري القومي ودفاعي عن العربيّة لأفوز بمكسب هناك. أذكر عندما صدرت أطروحتي للدكتوراه في فرنسا ودُعيت للحديث عن الأدب النسائي، فتوقعوا أن أقول إن المرأة ضحية الرجل العربي وهو ضحية الدين ومن هذا الكلام، ولكن عندما برأت الإسلام من هذه التهمة انتهى الأمر ولم يعودوا يدعونني، ومع ذلك لم أخسر شيئاً بل كسبت كل القرّاء العرب».
وفي ختام الأمسية، عبّرت مستغانمي عن سعادتها بصدور روايتها الجديدة «أصبحت أنت»، وقالت: «هذا الكتاب يعدّ الأخ الروحي لذاكرة الجسد، والآن أشعر بأن الحلقة قد اكتملت. من لم يقرأ الرواية لا يمكن أن يفهم لماذا كتبت بتلك الشاعرية وبذلك العنفوان ولماذا أبطالي كانوا كذلك. لو لم أكتب هذا الكتاب لم أكن لأعلم أنني أشبه أبي إلى هذا الحدّ. إنه اكتشاف متأخر.الآن أراجع نفسي وأقول إن كل المواقف التي قمت بها والقرارات التي أخذتها لم أكن فيها أنا».