نوف الموسى (دبي)
يبدو أن مسرح رأس الخيمة الوطني، يراهنُ على اللحظة الواعية فيما يطلق عليه في الثقافة المسرحية المخرج المُدرك لأبعاد مخزونه الثقافي والفكري وقراءاته للفضاء المسرحي العام وأهمية دراسته لحركة الممثلين عبر موسيقى حيّة، تُعزف على أرضية النص المسرحي الفائض بالأسئلة الكُبرى.
وقد نجد ذلك جلياً في مسرحية «ضيف محارب الضوء» للمخرج إسماعيل سالم، والمؤلف أحمد العويني، ضمن فعاليات مهرجان دبي لمسرح الشباب 14، من خلال تحول «الضوء» في داخل المكنون الإنساني إلى شخصية قائمة بذاتها، حيث تبحث بشكل آسر عن مساحة آمنة لتحقق من خلالها «اليقظة الإنسانية» التي لا يُمكن أن تتجلى في ظل عتمة الروح، وضيق النفس، وضياع الذات. إلا أن السؤال الجوهري لاستخدام الضوء في السردية المسرحية، يكاد يلقي بظلاله على مفاهيم علمية واستدلالات بحثية، تتيح للمتلقي تصوراً فيزيائياً في أنه لطالما كان «الضوء يعد أسرع من الصوت»، ومن هنا فإن استخدام الإنسان لنوره وسط الصراع، سيسمح له بالتأكيد بأن يرى حقيقته، وفي المقابل سيدرك أنه ليس كل الضيوف مرحباً بهم في تجربته الإنسانية! وهنا قد يكون الضيف المقصود برمزيته في العرض المسرحي أشبه ما يكون بـ «وهم أزلي»، أو «شعور بائس» أو حتى ربما انعكاس لحالة خوف دفينة متوارثة، يستشفها المشاهد من تلك المرآة الكبيرة في الزاوية اليمنى للفضاء المسرحي، هناك حيث تتبادل الشخصيتان الرئيسيتان، «الزوج» الذي قدم شخصيته الممثل إسماعيل سالم و«الزوجة» التي قدمتها الممثلة شرين حافظ، الأدوار في النظر نحوها والتمعن فيها كنافذة مفتوحة على القدر، تارةً يبحثان عن الأجوبة، وتارةً يسألان نفسيهما، كيف يمكن لضيف عابر -وهمٍ تافه- أن يطفئ ضوء السبيل للوصول مجدداً للبيت، للمكان بمعناه الجزيل في قصيدة الحياة، كونه يمثل للإنسان وجوده. 
وقد استطاعت مسرحية «ضيف محارب الضوء»، أن تجعل من نِزال الأضداد «الضوء والعتمة»، حواراً مقبولاً في فرجته المسرحية، يتكشف من خلالها كيف أن هناك أشخاصاً يجهدون لإبقاء الضوء حاضراً ودليلاً لوجودهم، بينما هنالك آخرون في ذات المحيط الإنساني، يرتعبون من فكرة الضوء، ببساطة جداً يراها المشاهد في حديث الزوجة لزوجها، وبالأخص امتعاضها لكل هذا الضوء الذي يحرص الزوج على إبقائه مشتعلاً، ليحسن بذلك استقبال الضيف، وفي الآن ذاته، يحفظ مساحته الخاصة وكرامة بيته وأهله، بأن يؤصل حقيقة وجودهم بعلامة ضوئية. 
ومن الجدير بالذكر أن أهمية العرض المسرحي تكمن في بيان الأوجه المتعددة بين الداخل الإنساني والخارج، فطوال لحظات الترقب لحضور الضيف المتوقع، كان المتلقي يشهد قضايا الصراع الداخلي للبيت بين الزوجين، كقضايا «الشرف» والخيانة الزوجية وغيرها، التي تحوم كشبح في مكون الثقافة المجتمعية، مسببةً حالة محتملة من الإقصائية والتفكك الأسري، ما يهدي المتابع تصوراً عاماً بأن الضيف، بطبيعة الحال، إما أنه سيدرك هذه الهشاشة الداخلية بمجرد وصوله، ويستغلها أيما استغلال، وإما أن يتعلم من خلال هذا الضعف صناعة أدوات دفاعية، لأن أهل البيت المجروحين عادةً ما يفقدون وعي التصرف، ما يجعلهم يرتكبون الأخطاء المكررة، والدليل على ذلك الغضب المستمر لصاحب البيت «الزوج» عن بدء خسارته لمساحة بيته شيئاً فشيئاً، ليكتشف بعدها أنها رغبة الضيف العابر وسطوته، وبذلك نتأكد أن اليقظة الإنسانية لبواطن الضعف والقوة، وحدها قادرة على أن توقظ الإنسان من نفسه ومن وهم الضيف.
أهدت الموسيقى الحيّة، واستخدام قرابة الـ 7 آلات موسيقية بتنوعها في العرض المسرحي، الجمهور حالة من الاسترخاء التام، رغم صعوبة الطرح الجدلي على الخشبة. وفي اعتقادي هي إضافة ذكية من قبل القائمين على العرض المسرحي لتحقيق التوازن الشعوري في داخل القاعة، إضافة إلى استخدام «المجاميع»، وهي عنصر مسرحي يتضمن مجموعة من الشباب الممثلين، الذين يقدمون أداء فنياً متماثلاً يراعون فيه البعد الدلالي والجمالي لمعنى حركتهم على المسرح، وفي العرض مثلوا حركة «الضوء» و«العتمة» باستخدام أعمدة ضوئية، يحملونها بأيديهم، كتلك الشبيهة بالإنارة الخارجية بقرب بوابة المنازل والحدائق والشوارع العامة والأحياء، والبراعة البصرية فيها أنه يمكن تحويرها إلى تشكلات بصرية متعددة، تجدها في مسرحية «ضيف محارب الضوء»، ككائن حيّ يولد بأشكال متنوعة وفقاً للحالة المشهدية في المسرح، كأن تكون بنية مادية تشكل «البيت»، أو بهيئة شعورية كأن تجسد «الحزن».