نوف الموسى (دبي)
الاهتمام العلمي والجمالي الذي أبداه المصور الفوتوغرافي خالد الأستاد (مواليد 1994)، حول علاقة الإنسان بالطبيعة الأم، ضمن معرضه الفوتوغرافي الفردي الأول بعنوان «جيراننا الصغار»، يجعل المجتمع الفني أمام تحولات جوهرية في البنية المعرفية لرؤى الفنانين الشباب، وتطلعاتهم لقيمة البيئة المحيطة، من خلال استكشاف الحياة البرية المحلية، باعتبارها إحدى المصادر الرئيسية لإثراء جودة حواسنا، ودورها في تعميق تدوين الملاحظات البحثية في التجارب الإنسانية، وذلك لقدرتها الفريدة على تكوين الحالة الإبداعية وتطور أشكالها، أسماها المصور الفوتوغرافي خالد الأستاد في حواره لـ«الاتحاد» بالتأملات، التي شملت نحو 500 توثيق فوتوغرافي لأكثر من 300 كائن، حتى هذه اللحظة من عمر المعرض الذي انطلق بتنظيم من «مركز تشكيل»، حيث تُعرض الأعمال حالياً في «إف إن ديزاين» بالسركال آفنيو بمدينة دبي. 

جماليات الكائنات
واعتبر المصور الفوتوغرافي خالد الأستاد أن المعرض بمثابة دعوة صادقة ومفتوحة لتعاون مع الباحثين والتعرف على العلماء المهتمين بهذا المجال بدولة الإمارات، وتجسير علاقتهم بالناس والمجتمع العام، وذلك للإمكانية المتفردة التي يملكها قطاع الفنون المرئية، من تحقيق الوصول والتأثير في الوعي البيئي، موضحاً أن التصوير الفني تحديداً، بمقدوره أن يبرز جماليات الكائنات الحيّة، ويحفظ مكونها البيئي، إذا ما تم وفق الممارسات الأخلاقيات اللازمة للحفاظ على بيئة الحياة البرية. 
ويتحدث المصور الفوتوغرافي خالد الأستاد، كيف أن الكائنات الحيّة «الحشرات، العناكب، الطيور»، تتطور بشكل لحظي في بيئة الحياة البرية، تتخذ من نفسها أشكالاً تنسجم مع محيطها، قد تكون بغرض الحماية بشكل أساسي، وفي ذات الأوان تهدي الناظر إليها، فعل المحاكاة وأهميته في تكوين الحياة على الأرض، فمثلاً عندما ترى «الحشرات العصوية»، تشعر أنها أغصان، وبمجرد أن تتحرك قليلاً حتى تُلاحظ هيكل شخصيتها البارز، لذلك فإنه من المهم بحسب توضيح المصور خالد الأستاد، أن يُوثق الكائن في بيئته الأصلية، ولا يُنقل إلا مختبرات معزولة، وتصويره كمرجع علمي مجرد من التفاعل الخارجي، فنحن نتحدث هنا عن الالتقاء الروحي بين عين المصور وبين عين الكائنات في جوهر كينونتها الخاصة، ما يساهم في إدراك مكونها الثقافي، من خلال استكشاف سلوكيات الكائنات في البحث عن الطعام، وطرق التزاوج، وآلية بناء بيوتها ومخابئها، والإطلاع على حميمة الولادة، والطرق المتعددة للأم في الحماية وتحقيق البقاء، إضافة إلى دور هذه الكائنات في الحفاظ على توازن البيئة الطبيعية، أمام أزمات الانقراض التي في أصلها مؤشر للعلاقة المبتورة بين الإنسان في الحياة المعاصرة والطبيعة الأم، وصفها المصور خالد الأستاد أنها أقرب إلى حالة من التخدير نعيشها مع الأجهزة الذكية، مبيناً أنه رغم أهمية التقنية، إلا أنها عزلتنا تماماً عن ذواتنا من خلال قلة الانتباه وتعطيل حس الاسترشاد بالحواس. 
مرئيات متنوعة
«السريالية» القابعة في تجربة الفنان خالد الأستاد، عبر لوحاته الفنية التشكيلية، واهتمامه بعوالم الأحلام، وترجمتها كمدخلات بصرية بين مرئيات متنوعة، شكلت بطريقة ما أساساً لبناء الرؤية الفوتوغرافية، قد يصنفها المتابع لتجربة خالد، أنها نتيجة طبيعية لتأثره بالفضاءات الفنية لوالده الفنان الإماراتي محمد الأستاد، ولكنها أيضاً في ذات الوقت، تحمل صبغة متفردة للفنان خالد الأستاد، عندما يؤكد أن علاقته بالكائنات التي انطلقت من فناء البيت، هي إرضاء مستمر لطفولته، قائلاً حول ذلك: «لطالما كانت الزواحف في مخيلتي تنانين صغار، وكذلك الحشرات هي بمثابة كائنات فضائية، تلك المشاهد مثلت تغذية بصرية في طفولتي، كنت أراها تأتيني على شكل أحلام في المنام، متداخلة مع مشاهدات من حياتي اليومية، لأستيقظ بعدها وأبدأ برسمها وإعادة إنتاجها، كحالة جمالية، أكاد أُشبهها بالممارسات الارتجالية التي أحياناً أضطر لابتكارها بينما أكون في رحلة ميدانية لتصوير الحياة البرية».

بيئة خصبة 
اعتبر المصور الفوتوغرافي خالد الأستاد، أن دولة الإمارات تمثل كنزاً للعلماء والباحثين من مختلف دول العالم، لأنها بيئة خصبة وغنية بالأسرار العلمية غير المكتشفة، ما يجعلها فرصة استثنائية لتسجيل بيئي جديد، فمن بين الصور الفوتوغرافية المعروضة في معرض «جيراننا الصغار»، وثق المصور خالد الأستاد، «العنكبوت ذو الأرجل الأمامية المجَسيّة»، وبحسب بحثه في المراجع، وجد أنه رُصد في تركيا وسيرلانكا ولكن لم يسجل في الإمارات من قبل، ولأنه شُوهد في منطقة صحراوية، يستثنيه ذلك من أنه جاء من الأشجار المستوردة، أو أن يكون بالقرب من الموانئ وارتحل عبر البواخر، وبالتالي نتوصل إلى أنه يمثل تسجيلاً جديداً في المنطقة.
توثيق وتعاون
لفت الأستاد أنه حان الوقت للمجتمع العلمي المحلي، والعلماء الإماراتيين والخبراء المقيمين في دولة الإمارات، من العمل على توثيق مخزونهم البيئي، والتعاون مع المجتمع الفني لإبراز القيمة العلمية للبيئة الطبيعية المحلية وتوثيقها فنياً، ويقع على عاتقنا نحن أهل هذه البيئة أن نعي قيمتها وأهمية توثيقها بأسماء محلية تعزز هويتنا المحلية الممتدة في أصلها من دّيموغرافيا وجغرافيا المكان.