سعد عبد الراضي (أبوظبي)

الدكتورة وصال العلاق أديبة ومترجمة وأكاديمية عراقية دؤوبة ومحلقة، نشأت في أسرة مثقفة محبة للإبداع؛ فهي ابنة الشاعر والناقد العراقي الكبير علي جعفر العلاق‏، ووالدتها متخصصة في تعليم لغة الضاد وشقيقتها أكاديمية تكتب الشعر باللغتين، ولأنها حصلت على الماجستير في مشكلات ترجمة الشعر من اللغتين، والدكتوراه في صعوبات ترجمة المسرح، ولها إصدارات عديدة في هذا المجال المهم، وفي حديثها لـ (الاتحاد) أضاءت على عدد من قضايا الأدب والترجمة.
بدايًة، تتحدث وصال العلاق عن كيفية تشكل تواجهها الإبداعي وارتباطها بالأدب، فتقول: فتحت عينيّ على أسرة مميزة، يشكل الكتاب، معرفة وإبداعاً، جانباً أساسياً في حياتي. فوالدي شاعر كبير، حاز على جائزة الشيخ زايد للكتاب هذا العام، وعلى جائزة العويس عام 2019. وهو ناقد معروف وأستاذ جامعي للأدب والنقد، منذ ثلاثين عاماً، في جامعات بغداد وصنعاء والإمارات. وأمي مدرسة للغة العربية وتتذوق الشعر بإحساس عالٍ، كما أن أختي تحمل الدكتوراه باللغة الإنجليزية وتكتب الشعر باللغتين.
وتعلمت الإنجليزية والشغف بالأدب منذ طفولتي، إذ كنا مع أبي في بريطانيا حين كان يكمل دراساته العليا. وشكل الشعر دراسة وترجمة خياري الأول: حصلت على الماجستير في مشكلات ترجمة الشعر من والى الإنجليزية، والدكتوراه في صعوبات ترجمة المسرح ومبادئها، مع إشارة خاصة إلى ترجمتي جبرا ونيازي لمسرحية ماكبث. ولي كتابان مترجمان عن الإنجليزية، في: الليل كلنا شعراء سود، للشاعر الأميركي أثيلبرت ميلر. والثاني كما الريح للشاعر عفا مايكل ويفر، والكتابان هما مختارات من قصائد الشاعرين، ومن إصدارات مشروع كلمة للترجمة في أبوظبي. 

إشكاليات الترجمة
تنتقل وصال العلاق في حديثها إلى إشكاليات الترجمة، من وجهة نظرها كخبيرة ومتخصصة فيها: هناك عدة إشكالات فيما يتعلق بالترجمة، وقد تطرق الكثير من المختصين إلى هذا الموضوع. أما فيما يتعلق بترجمة الشعر تحديداً، والأدب عموماً، فالإشكالات التي تواجهني أثناء ترجمة نص أدبي هي ترجمة نص ينتمي إلى بيئة ثقافية لا تمتُّ بصلة إلى اللغة الهدف. عندها يصبح ما يفقد في الترجمة خسارة فادحة. فهناك إحساس وحالة إنسانية يخفق المترجم في إيصالها بشكل مكتمل. وبالطبع، يمكن للمترجم اعتماد عدة أساليب لإيجاد حلول يقلل مما لحق بالنص المترجم من فقدان. ومع ذلك، فهذه الأساليب التي ينتهجها المترجم هي اجتهادات فردية، تتباين وفقاً لما يتحلى به المترجم من خبرة، فعملية الترجمة في العالم العربي، ليست واحدة ولا منسقةً، فهي في الغالب جهد فردي، مشتت، ويعتمد بشكل يكاد أن يكون كلياً على المبادرات الفردية، بدافع الشغف الأصيل حيناً وبضغوط الحاجة والاضطرار في أحيان أخرى. وبكلمات موجزة، الترجمة نشاط حضاري رفيع الشأن، ويحتاج إلى رعاية مؤسسية، توفر له الإدارة والمال والخبرة والتخطيط. وحول معاييرها في اختيار الأعمال التي تترجمها عن الأدب العالمي، تقول وصال العلاق: هذا سؤال هام، يعيدني إلى ما قاله المترجم والروائي الكبير جبرا إبراهيم جبرا حين طرح عليه السؤال ذاته، فذكر ثلاثة معايير تدفعه إلى اختيار هذا الكتاب أو ذاك، من أهمها أن يكون الكتاب ذا مستوى فكري وجمالي يتمنى جبرا لو أنه كان كاتبه أو مؤلفه. وبالنسبة لي، قد لا أذهب بعيداً عن معيار الراحل الكبير. ولأنني مختصة بترجمة الشعر تحديداً، فقد يكون لي معيار خاص، يتعلق بمستوى العمل الشعري: لا بد أن يكون جميلاً وعميق الصلة بالزمن الذي أعيش فيه، يملك عليّ جوارحي، ويدفعني إلى قبول التحدي، فالترجمة أحد التحديات الكبيرة لمن يتخصص في الحقل. 

مشاريع الترجمة
في إجابتها عن سؤال حول دعم مشاريع الترجمة في الإمارات، تقول وصال العلاق: هذا السؤال يسلط الضوء على أحد الحلول المتميزة التي تقدمها الإمارات لتطوير العمل الثقافي عامة، والنشاط الترجمي بشكل خاص. فعلى المستوى الأول تسهم جائزة الشيخ زايد برعاية الأدب بفروعه المختلفة، والترجمة من العربية وإليها، كما تسهم هيئة الثقافة والسياحة، ومركز اللغة العربية، ممثلاً في مشروع كلمة للترجمة، بتقديم أروع الأمثلة على رعاية المترجم العربي، وتوفير ما يجعل من عملية الترجمة نشاطاً حضارياً وأدبياً يعكس تفاعلنا مع فكر العالم وأدبه وفنونه.  وحول تأثيرات الترجمة على الأدب العربي، تقول العلاق: كان للترجمة، دون شك، دورٌ مهم في تطوير وسائل الأداء في الأدب العربي. في الرواية والقصة، ثم في الشعر الحديث. لم يكن من السهل أن تصل القصيدة أو الرواية أو القصة القصيرة إلى ما وصلت إليه من توظيف للتقنيات الحديثة والوعي بصنعة الكتابة لولا الانفتاح على آداب العالم عن طريق الترجمة، كالأدبين الانجليزي والفرنسي والأدب الروسي على سبيل المثال. لكن ما تشهده آداب العالم من تجديد وابتكار لا يقتصر على تأثير الترجمة فحسب، فالاطلاع العميق على تراث الأمة وتمثل الجيد منه من جانب، ووجود المواهب الكبيرة من جانب آخر، شرطان لا يمكن لأي نهوض أدبي أو شعري حقيقي أن يتم من دونهما.

بين الشعر والقصة
تختتم وصال العلاّق حديثها قائلة: منذ فترة مبكرة من حياتي وأنا أكتب الشعر باللغة الإنجليزية بسبب نشأتي في بريطانيا ودراستي للأدب الإنجليزي، غير أنني كنت أتهيب الكتابة باللغة العربية لأنني لم أدرس الأدب العربي دراسة أكاديمية معمّقة. ولأنني أقيم في دولة الإمارات العربية منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً، وأعتبرها وطني، فقد بدأت أحس أن هناك نداء داخلياً يطالبني بأن أسهم بفاعلية أكبر في المشهد الأدبي إماراتياً وعربياً. ومن هنا بدأت الكتابة بالعربية، وفي مجال القصة القصيرة تحديداً وليس الشعر، وكأنني جعلت الشعر خياري الأول في القراءة والتأمل والترجمة، بينما اخترت القصة القصيرة فضاء للكتابة. ربما لأن دائرة قرائها أكثر سعة، وربما لأن عملية تلقيها أقلّ تعقيداً.
وتضيف: يبدأ حلم الشاعر بنشر قصيدته، كما تعرف، قبل حلمه بنشر الديوان. وكذلك الأمر بالنسبة للقاص. فالقصة قبل المجموعة القصصية. بالنسبة لي، كانت الترجمة التحريرية، وإكمال الدكتوراه، والترجمة الفورية، قد أخذت الكثير من وقتي. فلم أكتب من القصص القصيرة، ما يشكل مادة وافية لكتاب ينشر. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فأنا لست من المهووسين بغزارة الكتابة، إن مستوى ما أكتب هو ما يهمني كثيراً من أي شيء آخر. النوع، لا الكم، هو المعيار المثالي لمن يريد تطوير تجربته الكتابية.