سعد عبد الراضي (الاتحاد)
ناصر حاجي مالك فنان إماراتي مفطور على الموهبة، وشغوف بأحد مجالات الفنون البصرية هو فن التصوير الفوتوغرافي، ويستهويه منه التصوير بالأبيض والأسود وبشكل خاص التصوير المفاهيمي. والفنان ناصر حاجي حاصل على لقب جراند ماستر من اتحاد المصورين العالمين «GPU»، وعلى اللقب البرونزي من الجمعية الأميركية للتصوير (PSA) وكذلك على ماستر «فياب» من الاتحاد الدولي للتصوير (FIAP)، كما حصل أيضاً على جوائز محلية ودولية عدة وشارك في العديد من المعارض. وفي حوار لـ«الاتحاد»، تحدث ناصر حاجي عن جهوده في التصوير المفاهيمي قائلاً: إن حصول بعض أعمالي المنجزة على عدة جوائز منها ميدالية ذهبية وبرونزية وجوائز أخرى تقديرية، منحني ثقة بنفسي، تزداد كلما استطاعت هذه الأعمال أن تنافس غيرها، مؤكداً أن الاشتراك في هذا النوع من المسابقات الدولية، يعطي المصور دافعاً قوياً في تجديد أعماله من جميع النواحي الفنية بين فترة وأخرى، هذا فضلاً عن زيادة عدد أعماله، ومعرفة مدى قوّتها مقارنة مع أعمال أخرى. 

بداية قصة 
وقال حاجي: عملت على مشروع تصويري بعنوان «بداية قصة»، وهذا المشروع تم إنجازه في ثماني سنوات، وكان مجموع الأعمال التي تم إنتاجها خلال هذه الفترة خمسة وستين عملاً، قررت بعدها المضي قدماً بمشروع آخر، لتجنب تكرار شخصيتي الفنية، حتى لا ينتابني أو ينتاب المشاهد الملل، ولأنني تشبعت من المشروع من حيث الشكل، بدأت في البحث عن مشروع آخر يختلف من حيث المحتوى والصورة، ولم يكن الأمر سهلاً حيث شعرت في لحظتها بأنني لا أستطيع الوصول إلى أي فكرة، وخصوصاً أن المشروع السابق حظي في إنجازه بكثير من الثناء في مسابقات دولية وفي منظمات التصوير ومن قبل الزملاء الفنانين أيضاً.
واستطرد حاجي قائلاً: العمل المفاهيمي يعتمد على الفكرة بشكل رئيسي، ولهذا استغرقت وقتاً طويلاً للوصول إلى المحتوى الأساسي، ومن ثم استنباط فكرة كل عمل من الأعمال من مخزون المشاعر، التي تستغرق معي قرابة الشهرين. وفي العمل المفاهيمي يتعين ألا يكون التركيز فقط على الجانب الفكري أكثر من الجانب الجمالي الذي يجب أن يكون له هو أيضاً نصيب وافر من الاهتمام لجذب المتلقي، أو على الأقل ليستطيع المشاهد التحاور مع العمل الفني بشيء من الارتياح عند المشاهدة.

الذين رحلوا
وعن مشروعه الحالي الذي أطلق عليه عنوان «الذين رحلوا» قال: بدأت هذا المشروع في أبريل 2022، وأنجزت منه خمسة أعمال حتى الآن، حيث من المفترض أن يصل العدد إلى عشرين عملاً، ومن ثم سأتوقف للبحث عن مشروع آخر. وتنصبّ الفكرة على توثيق الذكريات المرتبطة بأشخاص كانوا بالأمس معنا واليوم غابوا عن المكان، ولذلك سميت المشروع «الذين رحلوا». وحين أجتمع مع أصدقائي وأحبابي نتبادل الحديث عن الذكريات الجميلة، وقررت توثيق الذكريات معهم من جانب واحد من دون أن يعي المشاهد بعض هذه التفاصيل.
وأضاف حاجي: عمدت إلى تكرار بعض المعايير السابقة لتطبيق المشروع الحالي، والتي يتعين ألا تتغير بالضرورة مع تغير مشروع التصوير، حيث أترك عليها بعضاً من بصماتي الفنية والشخصية، وتكون بالأبيض والأسود أيضاً، وهنا تغير الأمر قليلاً من حيث فضاء العمل فبدلاً من التصوير داخل الاستديو أصبح التصوير خارجه، وذلك لانسجام الأجواء الخارجية من سماء وغيوم وهواء مع فكرة المشروع ولإبرازها بقوة، كما أن الأجواء الخارجية تلامس أيضاً المشاعر وتحفزها، فكانت بمثابة استديو خارجي أنفذ فيه أعمالي.
وعن آلية العمل يقول: أستخدم جداراً ارتفاعه لا يتجاوز المتر ونصف المتر تقريباً، وخلفية الأعمال عبارة عن سماء ملبدة بقليل من الغيوم الريشية، حتى لا تصبح مساحة فارغة سلبية لا تنسجم مع عناصر العمل، أما من حيث المضمون فقد كان المعيار الأساسي والمهم، كما ذكرت، هو توثيق ذكريات شخصيات رحلت عن عالمنا، وكان لهم تأثير على حياتي، وأهم هذه الشخصيات والدي رحمة الله عليه، الذي كان له التأثير القوي في صقل شخصيتي، وعلمني مما علمه الزمان من تجارب، وكيف كان يقسو على نفسه أحياناً ليؤمّن لي ولإخوتي الراحة والأمان، وقد انتهيت من عمل واحد له ولكن هناك أيضاً بعض الأفكار التي سأنفذها قريباً. أما الشخصية الأخرى فهو مدرس اللغة العربية رحمه الله، الذي كان يتمتع بشخصية قوية جادة، وفي الوقت نفسه فقد كان من الشخصيات المحبوبة بين الطلبة، أما باقي الأصدقاء ممن رحلوا فسيكون لهم أيضاً نصيب في توثيق ذكرياتهم في هذا المشروع.

شعر وفن 
وعن تعانق القصيدة مع الصورة في بعض أعماله يقول: طلبت من الكاتبة والشاعرة أسماء عبدالله العوضي، التي شاركتني بقصائدها في مشروعي السابق «بداية قصة» كتابة قصيدة شعرية لكل عمل من أعمال المشروع الحالي، وذلك تمهيداً لإصدار كتابنا الثاني، حيث أرى أن الكتاب هو العلاقة الصامتة بين الكاتب والقارئ أو المشاهد (إذا كان كتاب تصوير)، وكتابنا المزمع إصداره بعد استكمال الأعمال هو بمثابة ألبوم يضم كامل المجموعة، ولهذا فسيجد المقتني نفسه وقد دخل في حوار مع الأعمال الفنية بشكل عام، محاولاً معرفة ما يقصده الكاتب بشكل خاص.

أعمال فنية تستحق الثناء
وعن المصورين المفاهيميين محلياً قال: حسب رأيي هم معدودون على أصابع اليد، ليس قصوراً من البقية فهم موهوبون ولكن لأن تركيزهم على الناحية الجمالية في أعمالهم له الأولية على مضمون العمل، وقد قدمت هذه القلة أعمالاً تستحق الثناء والتقدير، وأرى شخصياً أن أي عمل يحمل فكراً ويحاول محاورة المشاهد، فهو عمل جدير بالاحترام والتقدير، فكل مجهود وراء العمل هو محاولة من الفنان لترجمة مشاعره بطريقة يستمتع بها هو والآخرون أيضاً، كما أن العمل المفاهيمي يستوقف المشاهد للتأمل وكأنه ينادي ويقول أنا هنا ليقف المشاهد متأملاً ومحاولاً فك رموز العمل أو معرفة ما يحتويه من إبداع.
أما عن أهمية فن التصوير المفاهيمي فيقول حاجي: من وجهة نظري هو ليس عبارة عن لوحات صامتة بل أفكار تطير بأجنحة، وتكمن أهميتها في ملامسة المشاعر وإلهام ملَكات الإبداع والخيال.