فاطمة عطفة (أبوظبي)

القراءة وتوسيع الاطلاع كانت من أهم المكاسب التي حصلنا عليها في فترة الجائحة، وكثير منا رجع إلى قراءة الكتب التي قرأها قبل عشرين أو ثلاثين سنة. وبعض الكتب القديمة لا تبلى معانيها ولا تقل فائدتها. ومن ذلك كتاب «الأيام» لطه حسين، الذي يقدم لنا فيه عميد الأدب العربي صورة واضحة عن طريقة التعليم في الماضي، ولكنه ينقل القارئ أيضاً إلى عالم آخر في تقديم ترجمة أحمد حسن الزيات لكتاب جوته «آلام ڤرتر». وهذه الكنوز الأدبية لا تفقد قيمتها على مرور الأيام، بل تزداد متعة وفائدة. ومن القراءات المضيئة مقالة أدبية معمقة كتبها طه حسين أيضاً في تقديم الترجمة التي قام بها د. محمد عوض محمد لمسرحية جوته «فاوست». ويقول العميد: إن المترجم عوض من كبار المختصين بعلم الجغرافيا، فكيف التفت إلى جوته ومسرحيته؟
وفي مستهل المقدمة، يقول طه حسين: «عرفته منذ أعوام هادئ النفس، صافي الضمير، كريم الخلق، عذب الحديث، وكان يلذُّ لي أن أسمع له فأفهم، كما كان يعجبني أن أتحدث إليه فيفهم عني». وبهذه المودة الحميمية الصادقة يتحدث عميد الأدب العربي عن المترجم د. محمد عوض، وهذا المستوى الإنساني الراقي في المودة والتواصل نتمنى أن يستمر واسع الانتشار في زماننا، لأن لكل جيل طريقته في المعاملة وقيمه الأدبية وذائقته الجمالية.
وتزداد معرفة حسين بالمترجم إذ يقول: «لم يكن غريباً أن أبحث عن هذه الصلة التي تقرب بيني وبين الأستاذ محمد عوض، حتى قال لي قائل إنه يحب الأدب ويشغف به، ويعكف عليه حين يفرغ من وصف الأرض وتقويم البلدان». ويكتشف العميد أن عوض «يتقن الإنجليزية والألمانية ويحسن الفرنسية، وله من التركية حظ ومن الفرسية نصيب». ويضيف أن هذا «يذكِّره بالشاعر الألماني الكبير جوته، فقد كان هذا الشاعر على ألمانيته يحسن لغات أجنبية ويلم بلغات أخرى(...) ولا تلهيه لغات الغرب عن لغات الشرق». 
ويلفت العميد إلى أن جوته «اتصل بالمستشرقين وقرأ صوراً من الأدب العربي، وحاول أن يترجم إلى العربية أو ترجم بالفعل قصيدة تنسب للشنفرى، وهو من كبار الشعراء الصعاليك. ويشيد طه حسين بالمكانة العلمية التي يتمتع بها عوض، فيقول: «رجل وقف الخلاصة من حياته على الجغرافيا واستطاع مع ذلك أن يُعنَى بالأدب، ويأخذ منه بحظ موفور. وأن يهجم على أشق الآثار الأدبية وأعسرها، وأبعدها عن اللغة العربية، خليق بالإعجاب والإكبار، وقد أكبرته وأُعجِبت به وطلبت إليه، في شيء كثير من الإخلاص والمودة الصادقة، أن يدعوني إلى تقديم ترجمته إلى جمهور القراء من أهل العربية، فقبل مبتسماً وأحسبه كان راضياً». وأكتفي بهذه الكلمات المليئة بالمودة وطيب الوفاء بين الأدباء. وأعود إلى ذكريات أيام العزلة فأرى أن المصائب قد تكون فرصة للقيام بأعمال إيجابية مفيدة، ومنها إعادة قراءة الأعمال الأدبية الرصينة وغيرها من الكتب الجديرة بالقراءة.