نوف الموسى (دبي)
يستكمل جناح الإمارات في إكسبو 2020 دبي، الاحتفاء بالموروث الثقافي والاجتماعي للبيئة الطبيعة في دولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال تجارب بحثية، ورؤى فنية، ومرويات قصصية وأدبية، من شأنها أن تثري منظومة القيم المجتمعية، وتعمق العلاقة البديعة بين الإنسان والأرض، باعتبارها لغة التواصل الأولى، بين الذات الإنسانية والمكونات الحيّه في البيئة الطبيعية. ومنه يأتي إصدار كتاب «الحالمون: بين الأرض والبحر»، للكاتبة والمستشارة الثقافية مريم وسام الدباغ، والفنانة الرسامة عائشة سيف الحمراني، إيماناً من القائمين على جناح دولة الإمارات في إكسبو 2020 دبي، بأهمية الإبداع القصصي، لاستكمال سلسلة الوعي بمفاهيم الاستدامة والأمن الغذائي وعلم الأحياء البحرية وأشكال الحفاظ على الحياة الفطرية، في الممارسات المجتمعية ودلالاتها في الموروث المحلي، وذلك عبر 6 روايات مُلهمة لأشخاص حالمين من دولة الإمارات، سردت من خلالها الكاتبة مريم الدباغ، اللحظة العفوية لطفولة الحالمين وهم: نورا المنصوري - جامعة نيويورك أبوظبي؛ د. طريفة الزعابي - المركز الدولي للزراعة الملحية؛ يزن القضماني - مزرعة الإمارات البيولوجية «إمارتس بيو فارم»؛ رامي موراي - خليج دبا؛ مانع الكعبي - عسل حتّا؛ وأرابيلا ويلينغ - جمعية الإمارات للطبيعة.
منهجية إبداعية
توضح مريم وسام الدباغ في حوارها لـ «الاتحاد»، أنها ورغم البعد المتخيل لطبيعة طفولة تلك الشخصيات الحالمة، الحاضرة في الكتاب القصصي، إلا أنها طوال الحوارات المباشرة معهم، أثناء الإعداد للكتابة، تلمست السمة العامة لمعادلة الناجحين، وذلك أن السر يكمن في معرفة الخيال الواسع الذي يعبر فيه الطفل الداخلي لتلك الشخصيات المُلهمة عن نفسه، وكيف يرى العالم من حوله. من جهتها، التقت الرسامة عائشة الحمراني في ذات الشعوري الضمني مع الكاتبة مريم الدباغ، من خلال تقريب تلك الطفولة الحالمة بصرياً وتأكيدها لمسألة أن الرسم في مجال الأطفال، إنما هو أداة جمالية لإيصال التجارب الطفولية وإعطائها إحساس خاص فيها، بأن نهدي الطفل اهتمامنا الكامل لما يود قوله، أو يعجز أحياناً بالبوح به، لقلة التجارب ومحدودية اللغة التعبيرية، معتبرة أن المنجز القصصي، يمثل سياقات اجتماعية تحتفل بالذاكرة الجمعية وتوثق الانسجام والتناغم الاستثنائي بين كل من يعيش على أرض دولة الإمارات. «علينا أن نُدرك أن الكتابة لطفل، تُعد من أصعب السرديات القصصية، كون الطفل هو فعلياً ناقد يصعب إقناعه بسهولة»؛ بهذا البعد الموضوعي تؤكد الكاتبة مريم الدباغ على مسألة المنهجية الإبداعية التي أتبعتها لفهم حياة الحالمين ومحاولة استلهام بعض التفاصيل المهمة، ممثلةً البذور الأساسي، التي انطلق من خلالها هؤلاء الناجحون نحو تحقيق أحلامهم. مبينة أن أهم نقطة جوهرية في الكتاب، تكمن في بيان أن الموروث الثقافي والاجتماعي بدولة الإمارات، يتضمن في ممارساته اليومية أفعالاً ومؤشرات ذات اتساق طبيعي مع مفاهيم الاستدامة والأمن الغذائي والتفاعل مع الحياة البرية والبحرية المحلية، وأنها مسألة ليست بالجديدة، ولا نحتاج أن نستخدم تلك المصطلحات العلمية الكبيرة قليلاً على الطفل، فبمجرد أن نتذكر جميعنا كيف كنا نزرع العدس والقطن في المدرسة، ونعيد تدوير علب البهارات وغيرها في المشاريع والأنشطة اللاصفية، سنتوصل كيف أن الأمر كان دائماً موجود ومتجذر في عادتنا وتقاليدنا بحياتنا المنزلية وأنظمتنا التعليمية. ولفتت الدباغ أن قوة مضمون كتاب «الحالمون بين الأرض والبحر»، قائمة على التعددية الثقافية للشخصيات الحالمة، من يشتركون جميعهم في انتمائهم لأرض واحدة وهي «الإمارات»، سواء من مواليد الدولة أو المقيمين على أرضها، ما يوضح قيمة الفرص التي تتيحها هذه الأرض الطبية لكل من يقطنها، من خلال أن يشعر فيها الأشخاص، بعدم وجود أيّ فروقات.
واعتبرت الكاتبة مريم الدباغ، أن الأطفال في المنطقة العربية، هم نواة المستقبل، وبناء نموذج القدوات عبر الإبداعات القصصية، هي مسؤولية كبيرة، وخطوة مهمة لتأكيد على أننا لسنا بحاجة لنظر إلى نماذج خارج محيطنا الثقافي والاجتماعي، بل على العكس، فإننا نملك قصص نجاح عديدة وقريبة من طبيعة ثقافتنا وخصوصية مجتمعنا، فلنا أن نتخيل تأثير قصص نجاح أشخاص ولدوا في مدن الإمارات، على أشخاص من نفس البيئة، والقريبين من ذات المحيط، وقتها يشعر الأطفال أن كل شيء ممكن إنجازه، طالما هناك شخص قريب منهم أو ربما درس في مدارسهم، استطاع أن يفعل ما يحلم به، فهم بالتأكيد قادرون على تحقيق أحلامهم كذلك.
الخيال البصري
طوال شغفها برسم الشخصيات الكرتونية لطالما ركزت الرسامة عائشة الحمراني، على تفاصيل البيئة المحلية، مبينة في حوار لـ«الاتحاد»، كيف أن الكتابة طريقتها لاكتشاف عوالم الخيال البصري لتلك الشخصيات، ما يفسر تعاونها مع الكاتبة مريم الدباغ، في أحاديث وحوارات مستمرة حول الشخصيات الحالمة في الكتاب، مضيفةً كيف أنها سعت دائماً أن تكون ضمن الذاكرة الجمعية للمنطقة المحلية من خلال أن يستطيع الأشخاص أن يروا أنفسهم من خلال رسوماتها، لافتاً أنه لا يُمكن أن نتجاوز مسألة الرسوم اليابانية والأمريكية وتأثيرها على طفولتنا، ولكنها جعلتنا أيضاً متعطشين دائماً لشخصيات كرتونية تشبهنا أكثر، وهذا الفراغ الكبير وقتها، دفعها للاستمرار نحو ابتكار شخصيات إماراتية، منطلقة من محيط أسرتها ومجتمعها. وأوضحت الرسامة عائشة الحمراني، أن مشروع كتاب «الحالمون: بين الأرض والبحر»، منجز يعكس أهمية البيئة المتكاملة في الاستراتيجية الخاصة بالصناعات الإبداعية والثقافية، فبالنظر إلى جناح دولة الإمارات اكسبو 2020 دبي، باعتبارها منصة تؤسس لآليات إبداعية تربط بين الموضوعات التنموية والكتّاب والرسامين والناشرين والموزعين، ما يضمن استدامة الفعل الإبداعي في إثراء الوعي المجتمعي العام، وهنا العملية لا تتوقف عند مسألة إثراء القيم المجتمعية عبر «أدب الطفل»، ولكنها في ذات الحين تدعم منظومة الإبداع ككل.في كتاب «الحالمون: بين الأرض والبحر»، تظهر الشخصيات الواقعية بأبعاد طفولتها المتخيلة، وبالنسبة لرسامة عائشة الحمراني، فإن الخط الفاصل بين الواقع والخيال، يبقى دائماً رفيعاً جداً في مجال الرسم الرقمي، والأهم في الممارسة الفنية هو التغذية البصرية المستمرة، التي بطبيعتها تدرب قدرة العين على النقد والتمييز، وسيبقى الأمر بحسب الرسامة عائشة الحمراني، في كيفية وضع الأمور وفق وجهة نظر الطفل، أو ما نطلق عليه بالأمر السهل الممتنع، بوصفه بسيطاً لرائي، ولكنه قادر على لفت انتباه الطفل، أن تمرر الفكرة، بأقل جمل معقده. مضيفةً أنه في رسم الشخصيات الكرتونية المحلية، عندما يرى الطفل رجل يرتدي ثوب إماراتي في القصة، هنا تأتي اللحظة التي تحدث فيها المفارقة عندما يناديها «بابا»، وبذلك يكون الرسام أتم مهمة التواصل الإبداعي الأساسية في السرد القصصي.
إثارة فضول الأطفال
في سياق تطوير التواصل الإبداعي عبر الشخصيات الكرتونية، أشارت الرسامة عائشة الحمراني إلى محور توسيع الوسائط المستخدمة للشخصيات الكرتونية، مبينة أن علاقة الطفل مع الشخصيات الكرتونية ذات البعد المعرفي والتعليمي، يعد من أكثر الأشكال الإبداعية تأثيراً في الوقت الراهن، بالتوازي مع تطور الأجهزة الرقمية وتقنيات الكرتون وغيرها، قائلةً: «جميعنا يدرك تأثر نسب القراءة في العالم، بسبب الأجهزة الرقمية. وأهمية ارتباط الطفل بالكتاب، لا تزال تتخذ موقعاً مهماً في المبحث التربوي والاجتماعي، ومنه فإن تطوير الشخصيات الكرتونية في الفضاء العام، وحضورها في وسائط أخرى من مثل الفعاليات الترفيهية والمسرحيات المعرفية ومحلات الألعاب وغيرها، يسهم في إثارة فضول الأطفال لشراء القصص وقراءتها، ما يعود بنا إلى منظومة الصناعات الإبداعية ودورها في تطوير مناحي قطاع الشخصيات الكرتونية في المجتمع الفني والثقافي».