فاطمة عطفة (أبوظبي)
تستقطب المسلسلات التلفزيونية جمهوراً واسعاً من المشاهدين. وقد رأى بعض كتاب الدراما أن القصص المقتبسة من واقع الحياة، أو من الروايات العربية والأجنبية، لم تكن كافية وحدها لتغطية حاجة سوق الدراما التلفزيونية والسينمائية، فلجأوا إلى توظيف بعض أحداث التاريخ وشخصياته المشهورة، وكان لكل كاتب نظرته الفكرية ومجاله الثقافي، إضافة إلى الخط الذي تلتزم به كل جهة إعلامية أو فنية. وقد تعرضت بعض تلك المسلسلات لنقد الأدباء والمثقفين، وإن لجأت بعض شركات الإنتاج إلى الاستعانة أحياناً ببعض أساتذة التاريخ للمساعدة في التدقيق والتوثيق وتقريب المضمون الفكري والبيئة التاريخية في حدود الممكن، ولكن الوقائع التاريخية في حقيقتها قد تبقى بعيدة بعد الواقع الأصلي عن المشهد التمثيلي، مهما بلغ من المهارة الفنية والصنعة التي تشترك في إنجازها عناصر عديدة، بدءاً بالقصة والسيناريو إلى التمثيل والعناصر المكملة الأخرى من أزياء وديكور وصوت وموسيقى وإضاءة.
قيمة التاريخ
وفي هذا السياق، ترى الروائية مريم الغفلي أن: المسلسلات التاريخية، قبل أي شيء، تحتاج تكلفة مادية للإنتاج، وإذا تم استسهال هذه النقطة فمن المؤكد أن الإنتاج سيكون أقل من المستوى المطلوب. وهي ترى أن المسلسلات الناجحة هي تلك التي يتم التخطيط لإنتاجها جيداً، من حيث الهدف والقصة واختيار الممثل المتمكن، وتنسيق كل شيء بجدارة من مكان التصوير والأزياء وحتى اللهجة. وتضرب مثلاً للأعمال الممتازة بفيلمي «الرسالة» و«عمر المختار». أما نظرتها إلى المسلسلات التاريخية الحالية، فترى أن بعضها مسلوقة، وهي فقط للترويج لفترة معينة وتنتهي من دون أن تترك أي أثر. وتؤكد الغفلي أن المسلسلات التاريخية تلعب دوراً مهماً في ترسيخ قيمة التاريخ وتخليد الشخصيات التاريخية في شتى العصور. وهي وسيلة ممتازة لجذب الأسر للتحلق حول التلفزيون من جديد، ولكن بشرط إنتاج وتقديم هذه المسلسلات بشكل جيد، وعلى سبيل المثال نتذكر أن مسلسل «دليلة والزئبق»، و«هارون الرشيد»، من المسلسلات التي ما زال صداها يتردد في ذاكرتنا.
وعن الفوائد المكتسبة من خلال المسلسلات التاريخية التي تقدمها الفضائيات، تقول: إن المسلسل التاريخي الجيد يساهم في تسليط الضوء على تاريخ ومكان وزمان وشخصيات ساهمت في إثراء العالم، كل في مجاله، وهذه الشخصيات ملهمة للأجيال، وتدعم كل ما من شأنه ترسيخ قيم تاريخية ومبادئ راقية.
فوائد مكتسبة
وعن موضوع دراما التلفزيون أيضاً، يقول الكاتب حارب الظاهري: إن مقاربة التاريخ بالمسلسلات التاريخية قد لا تأخذ الصورة المثلى لواقع التاريخ، بل قد يتخللها كثير من الجزئيات المثيرة درامياً، وفكرياً، ووجدانياً أحياناً. وهو يرى أن المسلسلات ينبغي أن تعكس دائماً واقع الحياة بمنظور تاريخي، تظهر فيه واقعها وأحداثها اليومية.
ويضيف الظاهري موضحاً: هناك مسلسلات تاريخية فيها تصوير أقرب إلى الواقع، ولكنها قليلة جداً وقد لا تخلو هي أيضاً من البتر، إلا أن نسيجها جميل وأعمالها مقدرة وتعيد تصوير التاريخ بلغة درامية واضحة تفيد الأجيال وتجعلهم يزدادون علماً وثقافة. ولفت الظاهري إلى أنه قد تكون هناك مغالطات وأخطاء تاريخية في بعض الأعمال، ولكن في كل الحالات نرى أن هذه المسلسلات تعيد الحياة للتاريخ، ويأخذ المشاهد من خلالها متسعاً من الإدراك الثقافي بأن التاريخ حاضر في تجليات الحياة الباحثة عن واقعها التاريخي واستشراف المستقبل.
عشوائية ومزاجية
أما الكاتب السوري مروان ناصح فله كتاب بعنوان: «التاريخ في لحظة حرجة: ذكريات وتأملات في الدراما السورية»، وقد استعرض فيه بعض الأعمال الدرامية بعمق، تحليلاً ونقداً، وعن ذلك يقول: يخطئ من يظن أن المسلسلات التاريخية هي دروس منهجية في علم التاريخ، في حين أنها لا تطمح، حتى في نماذجها الناجحة، إلى أكثر من أن تكون ملمحاً حاضراً في لوحة الثقافة العامة لشعب من الشعوب يعنى بماضيه، فيلقي الضوء على أحداثه البارزة، وشخصياته ذات التأثير المؤكد في حركة التاريخ.
ومن خلال تجربته في الدراما، يرى أن بعض مسلسلاتنا التاريخية ما تزال عشوائية ومزاجية، وغير محايدة في معظمها لأن القائمين على الإدارة والمال في شركات الإنتاج يبحثون عن شخصية تاريخية مشهورة ليقدموها نموذجاً ومثلاً يقتدى به، ثم قد يأتي دور بعض النقاد والمثقفين والفنانين، ليطرحوا عملية «إسقاط تاريخي»، ولكن التاريخ لا يعيد نفسه، نزولاً عند رغبة كاتب المسلسل أو مدير الإنتاج.
ويضيف: أما من حيث القيمة الفكرية لبعض هذه المسلسلات المدروسة جيداً، فأنا لا أنكر أن لها فوائد معرفية تاريخية وفنية عديدة، ولكنني أحب أن أركز على دورها المهم في دعم الجهود المبذولة لتمكين اللغة العربية الفصيحة، وأتمنى على صناعها مزيداً من الاهتمام بتنقية لغتها من الأخطاء التي تكثر على ألسنة بعض الممثلين في هذه الأيام.