نوف الموسى (دبي)

بناء المساحات الفنية وتنوع استخداماتها الإبداعية في الفضاءات العامة، لا يزالان أحد الموضوعات الجوهرية، في النقاشات الثقافية والبرامج الإعدادية للاستراتيجيات المؤسسية في قطاع الاقتصاد الإبداعي، ومجال الصناعات الثقافية والإبداعية بدولة الإمارات، والمسألة في مجملها بمثابة ضرورة تفاعلية تتيح للفنانين بمختلف مستوياتهم الفنية وتخصصاتها الاحترافية منها والناشئة، تجاه تطوير ممارستهم الفنية ضمن بيئة مستدامة، تضمن استمرارية فعل التجريب الفني، إضافة إلى أن المساحات الفنية تتيح فرصة نوعية في بناء شبكة معرفية وتعليمية بين الفنانين أنفسهم، وأصحاب «الغاليرهات» الفنية، والقيمين الفنيين، والمشروعات والتكليفات الفنية سواء المحلية والإقليمية والعالمية.
إلى جانب أن المساحات الفنية، تمثل فعلاً اجتماعياً، باعتبارها الأبواب المفتوحة للجمهور لاكتشاف المعنى من إنتاج القطعة الفنية، والسؤال الرئيسي ضمن جلسة «نحو بناء الاقتصاد الإبداعي العربي.. التحديات والآفاق»، التي نظمتها هيئة دبي للثقافة والفنون، بالتعاون مع مؤسسة «فكر»، بحضور سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة»، مساء أول أمس، في مكتبة الصفا للفنون والتصميم، حول إمكانية توسيع نطاق دائرة الاستثمار في البنى التحتية الفنية، مما يدعم ريادة الأعمال الفنية. وقد تساءل من خلالها الفنانون والقيمون الفنيون المشاركون في الجلسة الأولى ضمن سلسلة من الفعاليات الحوارية النقاشية المعنية بتسليط الضوء على المشهد الفني: كيف يُمكننا جعل مُلاك الأبنية وأصحاب الإنشاءات المعمارية أكثر وعياً بأهمية المساحات الفنية، ومقدرتها على تحقيق مردود اقتصادي غير مباشر، ودور المؤسسات التعليمية في دعم الروايات الفنية عن المنطقة، وآلية صياغة تشريعات قانونية تستوعب البيئة الفنية، وسياقاتها في التعاقد الاقتصادي الفني. 
المحاور الرئيسة
تركزت المحاور الرئيسة التي طرحتها الكاتبة دبي بالهول، أثناء إدارتها للجلسة النقاشية، حول التحديات التي يواجها الفنانون، فيما يتعلق بدورهم في تطوير منهجيتهم الخاصة، الداعمة للقيمة المضافة التي يقدمها الفنان لتطوير أعماله الفنية، ويسهم بالوقت ذاته في دعم عجلة الاقتصاد الإبداعي، وكيفية رؤيتهم لثقافة المجتمعية والاقتصادية في القطاعات العامة والخاصة، وماهية تعريفهم لما يسمى بالأعمال الفنية العالمية، وأثر الاختلافات الثقافية في تكوين المجتمعات الفنية بين العالم الغربي والمنطقة المحلية والإقليمية، وما هي الثقافة المالية وطبيعتها فيما يتعلق بعمل الفنان بدوام كامل في مجال الصناعات الفنية، ومدى صعوبة تأسيس كيانات فنية ناشئة مستقلة؟ جميعها أطروحات عامة، تسعى لرسم آفاق جديدة للمنطقة، ومدينة دبي على وجه الخصوص، كونها تمتلك مكانة اقتصادية عالمية، بمقدورها توسيع الخيارات الاستثمارية في قطاع الصناعات الإبداعية، وابتكار أشكال جديدة لمنهجيات العمل الاقتصادي الإبداعي، بما يتناسب مع الطبيعة الثقافية المتعددة في مجتمع دولة الإمارات. 
منظومة الاقتصاد الإبداعي
بحثت القيّمة الفنية منيرة الصايغ، مرتكزات رئيسة تدعم منظومة الاقتصاد الإبداعي، خلال مشاركتها في الجلسة النقاشية، وتعتبر الصايغ أن «الوعي» بأهمية القطاعات الإبداعية والفنية، مرتبط جداً بالمؤسسات التعليمية، من خلال أن يتعرف الأشخاص منذ طفولتهم بفناني المنطقة ونشأة الفنون ككل، والروايات التي تناولها المبدعون، وكيف عملوا على تلك الأعمال، ليصبح هناك دارسون ومهتمون ومتذوقون وأصحاب أعمال يقدرون الفنون وقيمتها الحضارية في المجتمع. 
وبالنسبة للقيمة منيرة الصايغ، فإن تأسيسها لمنصة إبداعية تجريبية للفنون «دروازة»، بمثابة تعبير اجتماعي وثقافي لماهية أن يطور المبدعون أنفسهم، من خلال إلهام فرق عمل إبداعية، تؤمن بريادة الأعمال في قطاع الصناعات الثقافية والفنية، فهي عملية بناء متكاملة، يبني عبرها الأشخاص أخلاقيات العمل ونظام المعتقدات الخاص فيهم، وخلال السنوات الثلاث الماضية من العمل المتواصل لاحظت كيف نسجت المساحة الفنية في المنصة من نفسها شيئاً فشيئاً، باستهدافها بناء مجتمعات ثقافية متخصصة في منطقة الخليج من خلال توفير الإرشاد غير الربحي للبحوث متعددة التخصّصات، وبناء الأرشيف، وممارسات النقد، وتصميم البرامج الفنية، وترجح الصايغ فكرة «الاستقلالية» لعمل القيّم الفني بعيداً عن إطار المؤسساتية، ما يمنحه مقدرة على تطوير ممارسات خاصة فيه، مؤكدة على أهمية حضور القيّم الفني المحلي، في إثراء سرديات الفنانين في المنطقة المحلية، وإبراز قيمتهم الإبداعية المبنية على لغة حسية وشعورية مشتركة.  
البناء الفني
العمل في المشروعات الفنية بدوام كامل للفنانين، أو التضحية ببعض الوقت للوظيفة الاعتيادية، كما وصفها الفنان عمّار العطار، تبقى مسألة اختيارية للفنان، وفي ما يتعلق بممارساته الفنية، يفضل الفنان عمّار العطار التفاعل مع المجتمع الخارجي، فهو يتصوره جزءاً من البناء الفني لمشروعاته ذات الدلالة التركيبية والأدائية، بقوله: «أفضل تلك النقاشات التي تحدث في وظيفتي الاعتيادية، عندما يأتي إلى الأشخاص، من مختلف الاهتمامات، ويسألون عن ما أفعله في مشروعاتي الفنية، أكاد أراه جسراً معرفياً للتواصل. في الحقيقة، عشت تجربة العمل كفنان بدوام كامل لمدة 6 أشهر، وشعرت بعدها بأني أحتاج إلى العودة للعمل الوظيفي، هناك قيمة معرفية يقدمها المجتمعي الخارجي تستدعي البحث والتواصل المستمر»، وفي سياق الاستوديوهات الفنية، سرد الفنان عمّار العطار، تفاصيل تجربته في تأجير استوديو فني بمنطقة الفنون بإمارة الشارقة، وأهميته في دعم الممارسة الفنية وتطويرها، مبيناً أنها إحدى أبرز المبادرات الثقافية، التي تُفعل السياسيات الثقافية والفنية الداعمة للمشهد الاجتماعي والثقافي بدولة الإمارات.
ريادة الأعمال
ريادة الأعمال في القطاعات الإبداعية، تمثل للفنانة لطيفة سعيد، نقطة جوهرية لاستدامة البيئة الفنية ودعم الاقتصاد الإبداعي، مبينة في نقاشها في الجلسة، المردود غير المباشر للمساحات الثقافية لأصحاب الأبنية والإنشاءات في الفضاءات العامة، حيث إن المساحات الثقافية بطبيعتها تعتبر حيزاً آمناً، يضفي لمحة جمالية وحسية للأمكنة، ما يدعو الأشخاص للاهتمام بتلك المساحات التي تعبر بشكل ما عنهم، ما يجعل إدراك أصحاب الأعمال الإنشائية لهذه النقطة، نقلة نوعية في رؤيتنا للاقتصاد الإبداعي، في أن له مردوداً مرتبطاً بثقافة الزمن وتراكم التجربة الإنسانية، في تشكيل علاقة مجتمعية مع الأمكنة، ومنه تدعو الفنانة لطيفة سعيد إلى أن يسعى الفنانون إذا ما أُتيحت لهم الفرصة بتأسيس استوديوهات في أماكن عامة، ما يسهل وصول الناس إليهم، ويحدث تفاعل حيّ ومستمر. 
حوار تفاعلي
شهد مفهوم المساحات الثقافية، من خلال توسيع نطاق حضور الاستوديوهات لتطوير ممارسة الفنانين الشباب والناشئة في المنطقة المحلية، حواراً تفاعلياً مع جمهور الجلسة، أكد خلالها الفنان هاشل اللمكي، أهمية أن يشارك الفنانون في تصميم تلك الاستوديوهات الفنية، لمعرفتهم التامة بالاحتياجات التي تتطلبها تلك المساحات الثقافية، سواء على مستوى المواد والأدوات المستخدمة، إلى جانب طبيعة الأرضيات والجدران والأسقف، وجميعها بمثابة ممارسة فنية يشعر من خلالها الفنانون بأنهم جزء من المكان، ومؤثرين فيه، ويتعاملون معه كجزء حسيّ ومعرفي داعم لممارساتهم الفنية المتعددة.