فاطمة عطفة (أبوظبي)
الحكم الشعبية والأمثال السائرة بين الناس هي ثمرات خبرات أجيال، وهي الحكمة الصافية وصدى لتجارب عميقة في الحياة، وإبداع إنساني يضيء على روح وثقافات المجتمعات، وهي دروس يتناقلها الأبناء عن الآباء والأمهات. وحول الأمثال الشعبية وأهميتها في الحياة تقول الكاتبة فاطمة المزروعي: «إن الأمثال خلاصة تجارب وخبرات الإنسان الماضي، وهي في مجملها تعطي صورة للحياة الماضية، وتنقل لنا وجهاً من أوجه الحياة في سنوات وعقود مضت، وتعطي مؤشراً لجانب من جوانب الحياة الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية، وكيفية التعامل مع الصعاب والمشاكل التي تطرأ على المجتمع في تلك الحقب».
وتوضح المزروعي، أن الأمثال، وإن كانت من نتاج الماضي، إلا أنها لا تنفصل عن حاضرنا ولا عن مستقبلنا، ويمكننا أن نأخذ المثل الذي قيل قبل مائة عام أو أكثر ونسقطه على واقعنا، وفي مجالات مختلفة من حياتنا، وهي أيضاً تعطي صورة مشرقة على واقع أي أمة، وقوة الأمثال وتميزها اللفظي الواضح دليل على تميز الإنسان في تلك البقعة برؤيته وثقافته، وهي ليست خاصة بوطن أو أمة، بل إنها حالة إنسانية عامة.
وتضيف المزروعي: في الإمارات ثراء وغزارة تراثية كبيرة خلفها لنا الآباء والأجداد على امتداد تاريخ هذه الأرض الطيبة، فكانت كلماتهم نبعاً من عقول أبناء الإمارات وقوتهم في مواجهة الصعاب والحياة القاسية، لذلك كانت هناك أمثال لها قصص، وتنوعت مواضيعها، فمنها ما يدعو للخير والسلام والمحبة، ومنها ما يحذر من الجبن والخداع والكذب، لذا لا يستغرب أن يكون هناك مواضيع عدة للأمثال، من تلك الأمثال التي تدعو الأبناء وتحثهم على سماع كلام وتوجيهات الأب والأم، أو تحث على الطاعة، مثل: «اللي ما يطيع يضيع»، وهناك مثل يحث على التعاون والتكاتف والعلاقات الإنسانية الجميلة: «الناس للناس والكل بالله»، وأيضاً ما يقال في الترغيب لمواصلة النهج وعدم الملل: «عليك بالدرب ولو طال»، وما يقال في حسن المعاملة: «لا تكثر الدوس على الخلان يملونك».
تتابع فاطمة المزروعي استحضار أنواع من الأمثلة، ومنها ما يقال عند التحدي: «الساحة فضاحة»، أو تلك التي تدعو لاكتشاف معدن الشخص وجوهره: «إللي ما زارني والديار مخيفه لا مرحبا به والديار أمان». وهي تؤكد أن الاهتمام بهذا المجال مفخرة لنا وهو يحقق فوائد ثمينة، منها استلهام تجارب الآباء والأجداد والسير على نهجهم الجميل والاعتزاز بهم. ولا ننسى أن الأمثال إرث تتناقله الأجيال بكل فخر، ونحن أمة منتجة ولها وجودها منذ الزمن السحيق.
ابن التجربة
يشير الشاعر أحمد بالحمر إلى أن المثل الشعبي خرج من مخبئه بعد ما أشعلته تجربة الإنسان، فهو حصيلة من مجموعة من التجارب الجميلة أو السيئة، فهو ابن التجربة، وهذه التجربة خرجت من ظهر المجتمع، ولا بد أن تعود إليه.
وأضاف، أن الناس تأخذ المثل وتردده كوسيلة للتحذير أو الترهيب وأحياناً للترغيب، وقد ساهمت الأمثال في التربية وحسن المعاملة واتخاذ بعض القرارات المهمة في حياتنا، كما أن تأثيرها يعد كبيراً، وللأمثال أهميتها في حياتنا الخاصة والعامة وقد اتسعت دائرة التأثير وانتشرت في مختلف المجتمعات بالعالم. وهذا ما يؤكد تشابه وتقارب العادات والتجارب والطموح بين الناس والشعوب، ودائماً ما نجد بعض هذه الأمثال قريبة من قلوبنا ونستخدمها بشكل كبير.
أما الشاعر ياسر سعيد دحي فيقول: تعد الأمثال الشعبية داخل المجتمع أداة معرفية من أدوات المجتمع وحاضنة أخلاقية وقيمية فيه، والتي توجه أفراد المجتمع خلال تجاربهم واحتكاكهم بالحياة، كما أن الأمثال الشعبية تعد مرآة تعكس ثقافة وقيم إنسان المجتمع، ولها دور كبير في تعزيز هويته والحفاظ عليها، وهي مستودع عاداته وتقاليده وتجاربه، وكذلك تراثه. ويشير دحي إلى أنه في العموم تظل الأمثال جواهر لحكم وفلسفة حياة عميقة وحقائق إنسانية كبرى.