سعد عبد الراضي (أبوظبي)
يعد الشاعر محمد عبدالله نور الدين أحد الشعراء الذين يملكون حضوراً في الساحة الشعرية في الإمارات، حيث نشر منذ 1995 قصائد وقراءات نقدية في الصحف والمجلات، ثم توالت مسيرته الشعرية حتى أصدر كتابيه المهمّين: دراسة تحليلية في شعر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وكتاب دروس في أوزان الشعر الشعبي. «الاتحاد» التقت الشاعر والناشر محمد عبدالله نور الدين وكان هذا الحوار:
اكتشاف الأنا
وعن بداياته يقول الشاعر محمد نور الدين: رغم أن بداياتي الشعرية كانت في سنوات المراهقة الأولى حينما تحركت في داخلي مشاعر اكتشاف الأنا من خلال الآخر، فإنني أرى أن الشعرية تبدأ مع كل إنسان عندما يطلق أول صرخة بكاء ليجد الطمأنينة في أحضان الأم، فهذا التعبير عن الذات يجلب انتباه الجميع، وهو المنبرية التي تنشدها الشعرية القديمة.
وقد تكمن الشعرية الحقيقية أيضاً حينما يستطيع الشاعر أن يتجرّد من ذاته وأن يباغت نفسه قبل الآخر بعنصر المفاجأة. ولعلي اكتشفت هذا مبكراً وأنا في 15 من عمري وتركت موسيقى العروض والأوزان وأسلمت ذائقتي لقصيدة تتجاوز الوزن والقافية محاولاً أن تقترب نصوصي من الدهشة والمباغتة لإشباع بعض النهم الذي أبحث عنه في الحالة الشعرية.
أكثر من 20 إصداراً
وأضاف الشاعر: من هنا بدأت محطاتي الشعرية ولا زالت في مثلَّثٍ أول أضلاعه شعرية تقليدية يغلب عليها الشعور والبناء الموسيقي كالقصائد النبطية الاجتماعية أو الوجدانية، وثاني أضلاعه شعرية حداثية خارج عن المألوف بعيداً عن الوزن والقافية كقصيدة النثر والترجمات الشعرية، وثالث أضلاعه دراسات وقراءات نقدية في الأدب الشعبي والأدب الفصيح، وإجمالاً أصدرت أكثر من عشرين عملاً إلى الآن في هذه المجالات أهمها دراسة تحليلية في شعر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وأصدرت أيضاً عملاً عن «رباعيات الخيام» و«أتقنفذ شوكاً» وأعمالاً أخرى.
المشهد الشعري المحلي
وعن رأيه في المشهد الشعري في الإمارات يقول: تطور المشهد الشعري يمضي بشكل واضح فهناك الشعر العمودي والتفعيلة وهما يحظيان بدعم وهذا جيد، وهناك أيضاً قصيدة النثر التي بدأت تنضج وفرضت وجودها على الساحة الأدبية والشعراء كثر في الجانبين. ولكننا في معايير الزمن الجديد حيث الإعلام التقليدي لم يستطع أن يقدم لنا الشاعر النجم كما كان يفعل سابقاً، فمواقع التواصل الاجتماعي ربما أصبحت تفرض وجودها أكثر وأصبح الشاعر قناة إعلامية لوحده وأمامه مهمة توسيع نطاقه الجماهيري. وعلى رغم أن هذا جيد من ناحية ولكن من ناحية أخرى ربما دخلنا أيضاً عصر إقصاء النقد دون أن نشعر، فالمتابعون وإعادة النشر ونقرات الإعجاب أصبح عددهم هو المتحكم في المشهد، وهذا قد ينذر بخروج الذائقة الأدبية عن السيطرة.
قطاع النشر
وعن قطاع النشر وأهم مميزاته وما يحتاجه قال محمد نور الدين: قطاع النشر يحظى بدعم كبير وهذا ما نلاحظه من دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي وهيئة الشارقة للكتاب وغيرهما، وقد حظي القطاع أيضاً بمشاركة واسعة من الأدباء، فكثير منهم اليوم يرأس دار نشر خاصة به، وينشر لنفسه ولغيره وهذه ظاهرة صحية لا شك، ولكن تبقى المعضلة في إجراءات النشر والتأخر أحياناً في إصدار التصاريح ما قد يؤثر بشكل مباشر على ربحية هذه الدور. وأرجو أن نتجاوز هذا الأمر فنحن في دولة تتبوأ المراكز الأولى في مختلف المؤشرات وهذه ليست بالتحديات الصعبة. ولعل التحدي الأكبر الذي تواجهه دور هو رفع نسبة القراءة من الكتب الورقية في المجتمع إذ أن كثيراً من القراء أخذتهم القراءة الاستهلاكية في الشاشات الذكية عن القراءة الهادفة في الكتب وهذه ليست بظاهرة صحية.
الأدب العربي في المشهد الإنساني
ويرى نور الدين أن الأدب الإنساني ككل أصبح أمام تحدي الذكاء الاصطناعي وبالذات الإصدار ذي المستوى الفائق منه، فقد أثبت المستوى العام منه مثل ChatGPT أنه قادر على منافسة العقل البشري إلى حدما. صحيح أن الذكاء الاصطناعي في المستوى العام مدعوم من التجارب السابقة والمعلومات المتوفرة لديه بالإضافة إلى اللوغاريتمات التي يستعين بها، ولكن مع قليل من التطوير قد ينافس العقل البشري فعلاً ليس لقدرته الفائقة وإنما لضعف وضمور النشاط الذهني والإبداعي لدى بعض البشر واعتماد البشر المتنامي على الذاكرة الميكانيكية والحلول الآلية، ولعل المعلومات الموجودة في بطون الكتب والتي ليست متوفرة بنسبة كبيرة في الإنترنت تستطيع حالياً تمييز العقل البشري من العقل الآلي، ولكن مع سد الفجوة بين المعلومات والخبرات المحمية، وما هو متوفر على الشبكة، قد يصبح الشاعر الآلي والأديب الآلي جزءاً من الثقافة يجب أن نعترف به وأن نتقبله. ولكني من ناحية أخرى أظن أن اللغة العربية ستكون من اللغات الحية التي ستحمي الثقافة الإنسانية وستقف قوية في مواجهة ثقافة الذكاء الاصطناعي، بينما قد تصبح لغات كثيرة أخرى أقل قوة في هذه المواجهة المتوقعة.