محمد عبدالسميع (الشارقة)
كثيراً ما يُطرح موضوع الأدب النسوي أو النسائي أو أدب المرأة، وفي كلّ هذا كانت دعوات في ما مضى لشيء من المقارنة بأدب الرجال أو الأدب الذكوري، بما ينطوي في ذلك من نظريات عديدة سارت في ركابها الكتابة الإبداعيّة، ووصلت في إحدى المراحل إلى التنافس لإظهار صوت المرأة إبداعيًّا، وكانت النقاشات تدور حول ما هو موضوع هذا الأدب، هل يتعلّق فقط بقضايا بالمرأة ذاتها، أم بوصف المرأة عنصرًا إنسانيًّا فاعلًا في المجتمعات، تسهم إلى جانب الرجل بل بالمساواة معه، في النقد والكتابة والتعبير، بغضّ النظر عن الموضوع المطروح، وفي ظلّ هذا التقدّم الذي نعيشه اليوم في وضوح ذلك الصوت الخفيض في العالم العربي في أوقات قديمة، فإنّ هذه اللقاءات مع كاتبات وناقدات إماراتيّات تتناول موضوع «من الأقدر على التعبير عن المرأة، وما وجاهة أن تكتب المرأة عن ذاتها؟!.. أو يكتب الرجل عن المرأة»، وكان الغرض من ذلك هو الاحتفاء بمقدرة المرأة على كتابة مشاعرها والتعبير عنها، علاوةً على كتابتها في مواضيع أخرى مجتمعيّة وإنسانيّة.
ثمّة اتفاق على أنّ النساء هنّ الاقدر على كتابة مشاعرهنّ، من خلال إصدراتهنّ الأدبيّة، مع عدم نسيان أنّ المرأة هي شريكة للرجل في المواضيع الأخرى، وهي متعددة الحضور وتمثّل الإبداع والابتكار، وهذا ليس منذ فترة وجيزة، بل إنّ خيطًا من الإبداع كان يمدّ المرأة بشحنات إبداعيّة وأدبيّة في تاريخنا العربي، والشواهد على ذلك كثيرة ورائعة ربّما يتمّ تناولها في مجال آخر ضمن السياق ذاته تحت هذا العنوان. لكنّ الذي ننبه إليه هو أنّ الأدب أدب بغض النظر عن جنس كاتبه سواء كان ذكرًا أم أنثى، وفق شروط معروفة لبناء النصّ الأدبي وفق ما يسمّى بالتجربة الأدبيّة للكتّاب والكاتبات.
تجربة الألم والسعادة
الكاتبة فاطمة المعمري ترى أنّ الإصدارات الأدبيّة ليست الوحيدة المؤهلة لنقل مشاعر المرأة، فهناك فنون ووسائل أخرى، ذاكرةً الفنون التشكيليّة وفنون المسرح والسينما وغيرها من الفنون، ومع ذلك فإنّ المرأة قادرة وبقوّة على التعبير عن ذاتها وقضاياها، باعتبارها صاحبة تجربة وألم أو سعادة، وهي مشاعر تكون وجيهة في كتابتها، وتنطلق المعمري في ذلك من أنّ صاحب التجربة الحقيقيّة هو المعبّر وبشكل أقوى من غيره عن هذه التجربة بالوسيلة الأدبيّة أو الفنيّة.
من جهتها، ترى الكاتبة مريم المزروعي، أنّ المرأة تتسم بصفة أنّها متعددة الحضور، في تمثيلها الإبداع والابتكار، وفي الأدب كانت حاضرةً ليس اليوم أو أمس، بل منذ فجر التاريخ، بكلّ صفاتها المرئيّة والمحسوسة وحضورها في النصوص الأدبيّة، فكانت عنصرًا رئيسًا وبطلة من بطلات الروايات نسجت حولها الأساطير، أمّا تعبيرها عن رأيها وموقفها ومكنونها في الكتابة الأدبيّة، فترى المزروعي أنّه موضوع أخذ منها وقتًا طويلًا، لكي تصل إلى مرحلة الوجود والحضور القويّ، فدافعت عن نفسها في ما كتبته من قصص وروايات وفنون تشكيليّة على سبيل المثال وغير ذلك من أشكال الأدب أو الفنّ، وتذكر المزروعي في ذلك روايات «طوي بخيتة» لمريم الغفلي، و»وجه أرملة فاتنة» لفاطمة المزروعي، و«رائحة الزنجبيل» لصالحة غابش، إضافةً إلى روائيّات وقاصّات، مثل أسماء الزرعوني وشيخة الجابري ولؤلؤة المنصوري...إلخ، وكانت صورة المرأة تظهر في هذه الأعمال موزّعةً على الأم والفتاة والزوجة، بل لقد تمّ نقل قضايا اجتماعيّة عديدة، من مثل العنف والطلاق وذاكرة المرأة القديمة للأماكن والحكايات والشعر وحفظ القرآن، فكانت المرأة في كلّ ذلك هي الأقرب لنقل الأحاسيس بفعل ارتباطها بالبيئة والبيت والعمل والمحيط الاجتماعيّ على وجه العموم.
معايير فنيّة
الناقدة والكاتبة مريم الهاشمي، ترى أنّ الحديث عن الأدب النسائي أو النسوي حديثٌ يحمل في طيّاته موضوع النسويّة، ويذهب بنا نحو تيارات عديدة، مستعيدةً فترة الستينيات من القرن العشرين، في استقبال النقد النسوي إلى جانب الإبداع النسائي.
وتسوق الهاشمي ما كتب من مدونات الرجل والمرأة وتباين الرؤى في الكتابة، ليكون ما تنجزه المرأة من كتابة أو إبداع داخلًا في ذلك كمفهوم أو مصطلح، لكنّنا وجدنا تداخلًا في المفهوم بين الأدب النسوي والأدب النسائي وأدب المرأة، والأهمّ لدى الناقدة الهاشمي هو التعبير بحدّ ذاته، من منظور الموضوع المطروح، وهو هل المرأة أقدر على هذا التعبير عن قضاياها؟.. وفي ذلك، تنظر الهاشمي إلى أنّه، ومع اعترافنا بالكتابة النسائيّة وعطائها الإبداعي ودورها في القضايا التي تعيشها وتطرحها، إلا أنّ الأدب بشروطه الفنيّة وبناء النصوص هو موضوع لا يعترف بالتمييز بين الذكورة والأنوثة، فالأديبات أنفسهنّ والأدباء كذلك، كما تقول، لا يعترفن، أو يعترفون، بقيمة هذا المصطلح في تقييم النتاج الأدبيّ، باعتبار النصّ الأدبيّ يقوم على الموهبة والخبرة والمعرفة والمقدرة اللغوية، فلا يتبع التقييم جنس الكاتب هل هو رجل أم امرأة، وتدلل الناقدة الهاشمي بإشادة النابغة الذبياني بالشاعرة الخنساء في تحكيمه بينها وبين الشاعر الأعشى منذ زمنٍ طويل.
وتختم الهاشمي بأنّ هناك من لا يرى خصوصيات للأدب بحسب جنس الأديب، انطلاقًا من عدم قبول الأدب نفسه بهذه الخصوصيّة، فكم من امرأة عززت الخطاب الذكوري، وفي المقابل كم كان للرجال من دور في تأنيث الخطاب اللغوي الإبداعي، وهو ما يؤكّد قيمة النصّ نفسه قبل الاحتكام إلى معايير جنس الكاتب، مع احترامنا لمعرفة المرأة بذاتها وقضاياها ودفاعها عنها.
عاطفة قويّة
ترى الكاتبة موزة عوض، أنّ الأدب النسوي هو الأكثر عاطفةً والأعمق تأثيرًا، باعتبار المرأة تكتب بدافعيّة ومن واقع شعور قويّ تجاه ما تعانيه وتتعرض له أو تعيشه بمشاعر مختلفة، فهي تكتب النصّ إلى أبعد مدى من التفاصيل عبر مشاعرها وخيالها الشاسع بمسافات التعبير، من خلال السرد وفق الطبيعة وقطارات الانتظار البعيدة، هذا فضلًا عن انتقالها السلس والعميق بحسب بيئة الأدب، إذا ما تحدثنا عن الوضوح أو الغموض وأثره في موضوع الحبكة الروائيّة.