محمد عبدالسميع (الشارقة)
يرى الفنان التشكيلي والكاتب عمر عبدالعزيز أنّ الفن التشكيلي يحمل مرونته في التحوّر اللوني والحركة المعتمدة على المدرسة التي يتّبعها الفنان، مستعيداً ظروف ومحتوى المدوّنة التاريخيّة للفن التشكيلي، منذ رسومات الكهوف، مروراً بالأيقونة الكنسيّة والمدرسة الأوروبيّة وعصر النهضة وما بعد المدرسة الكلاسيكيّة الجديدة فالرومانسيّة والواقعيّة والتأثيريّة وغير ذلك.

 ويقول إنّ الفنّ التشكيلي لدى العرب والمسلمين له طابع خاص، تماماً كما هو في كلّ مكان في العالم، انطلاقاً من أنّ الخصوصيّة في الفنّ لا تلغي بحال من الأحوال التعددية التي هي سياق جبري، متناولاً خصوصيّة الفن الإماراتي كنموذج لدى الفنان المعاصر في اتكائه على فنون تراثيّة في نوع من الانسجام في التجريب أيضاً، في أسماء عدة، منها عبدالقادر الريس ونجاة مكّي، اعتماداً على حالة التأثّر بالمدرسة الأوروبيّة على اختلاف تطوّراتها، وهو ما يؤكّد أن العالم بطبيعته يبحث عن الهويات الخاصّة بالفنون.
وينطلق عبدالعزيز من أنّ الفن التشكيلي متأثّرٌ بالآداب والفنون الإنسانيّة وأدوات التعبير المختلفة، كحالة كونيّة، فاللون هو اللون في الصين وفي الإمارات وفي فرنسا، على سبيل المثال، وفي أيّ بلد آخر، غير أنّ «الروحيّة اللونيّة» ليست واحدةً في هذه البلدان، فمنها البارد والساخن، وهكذا.

مفهوم تعددي
وحول ارتباط الفنّ بالجمال، يرى عبدالعزيز أنّ مفهوم الجمال هو تعددي بطبيعته، معرّفاً علم الجمال بأنّه ذو علاقة بفنون مختلفة بما فيها الفنون العامية الشعبية والتطبيقية، كما أنّ له علاقة أيضاً بالفلسفة والتاريخ، فهناك جمال يتأتّى من التناغم وآخر من التضادات أو من التلقائيّة في الوجود أو السيكولوجية الداخليّة للإنسان، كما فعل سلفادرو دالي في أعماله السرياليّة، ومن الجمال ما يتأتّى من الماورائيّات البعيدة المرتبطة بالخيال أو المرتبطة ببعض العقائد الروحيّة، ويذكر في هذا السياق الرأي الفنّي برسم ما يراه الفنان لا ما يعرفه، أو رسم ما لا يراه ولا يعرفه.
ويتحدث عبدالعزيز عن المدرسة البنائيّة وكذلك التركيبيّة في الفن التشكيلي، متناولاً معنى الانزياح بالفنّ التشكيلي من اللوحة إلى بعد آخر، والخروج باللوحة من الإطار المفاهيمي، لافتاً إلى أنّ تدخل الفنان تدخّل مركّب نحو إحداث الصدمة وحفز المتلقي على التفكير والتساؤل، كفنّ يسيطر على الفنان نفسه وربما يصبح مَعْلَماً يوماً ما في مدينة ما، كأمر جديد.

وهم التحرر
يرى عبدالعزيز أنّ أيّ فن حداثي لا يمكنه أن يتحرر من الماضي الذي هو ثاوي فيه أو يدخل في نسيج كلّ جديد، فلا يُستنفَد، ولذلك فمن يتوهّمون التحرر من الماضي باسم الحداثة ليسوا بحداثيين وليسوا بماضويين بطبيعة الحال أو معاصرين، وهو ما ينطبق على كلّ الفنون، لافتاً إلى فنانين كانوا تجريبيين في زمانهم الماضي وكانوا يتطلعون إلى المستقبل مع أنّهم كانوا يعيشون الموروث ومنغمسين فيه.
وحول الغموض والوضوح في الفن التشكيلي، يرى عبدالعزيز أنّ الغموض يمكن أن يكون جميلاً أو قبيحاً، معرّفاً التجريد بأنّه رحلة من التجسيم التصوّري إلى المجرّد، كما في التجريدات الكونية الجميلة، في حين يكون الغموض مفتعلاً حين لا يستطيع التقاط الإضاءة الجماليّة أو البنائيّة البصريّة والشفافية في التعبير.

استجلاء الغوامض
حول اعتماد اللون المركزي بين الأبيض والأسود، يذكر الكاتب والفنان التشكيلي عمر عبدالعزيز كتاب «رسالة الألوان» لابن حزم الأندلسي، والفنان ديلاكروا، ومفهوم الظلمة عند المتصوّف محمد عبدالجبار النفري، مشيراً إلى مقدرة الإنسان على استجلاء الغوامض والذهاب إلى الغيبيات بإرادة البحث عن الذات. ويرى أنّ الفلسفة مجال مهمّ للفنان كحالة إنسانيّة، باعتباره يعيش بين ما هو غامض وما هو معروف، كشكل من أشكال الترحّل في الغيب، لافتاً إلى أنّ الدين يقدّم جواباً يقينيّاً إيمانيّاً، بينما الفلسفة لا تقدّم ذلك، وتظلّ تدعو إلى التفكّر والتدبّر.