فاطمة عطفة (أبوظبي)
من يتصفح عناوين الكتب التي تركها لنا الباحث والناقد الكبير الراحل د. صلاح فضل، يعجب كيف استطاع أن ينجز كل هذه الأعمال المتميزة، إضافة إلى عمله الأكاديمي ومهامه العلمية الأخرى في مصر وخارجها من إسبانيا إلى المكسيك. لقد ترك لأبناء وطنه وأمته من الأدباء ومحبي الفكر والثقافة ثروة واسعة من كتب النقد الأدبي والبحث الفكري وعلوم اللغة. ونقدم في ما يلي لمحات من سيرته التي أوجزها في كتابه «عين النقد وعشق التميز»، حيث يقول في مستهل الكتاب: «تعودت على مساءلة نفسي منذ الصغر قبل أن أخضع لمحاسبة الآخرين وتقييمهم، وكانت البيئة الريفية المفعمة بعطر التدين هي الحاضنة الأولى لطفولتي». وبهذه النظرة الموضوعية العميقة والدالة على أهمية التسامح وقبول الاختلاف في الآراء، يبدأ سيرته المتميزة. ويخبرنا بحسرة أنه فقد والده وهو في الرابعة، وأصر جده الشيخ الأزهري على قطع دراسته المدنية في المدارس كي يلتحق بالكُتّاب وينخرط في التعليم الأزهري.
الرَّوح والريحان
ويضيف قائلاً: كنا نتشرّب الرَّوح والريحان من كتب الأقدمين، دون أن ننتبه في نهاية المطاف إلى أنها تصوغ عقولنا ووجداننا على مقياس العصور القديمة، دون أي اختلاف. وفي المرحلة الجامعية اختبر بقسوة إمكاناته الإبداعية في الشعر والقصة فلم يكن راضياً عنها، مؤكداً على نقد الذات بحدة، ونما لديه وعي نقدي جارف في نواحي الحياة من السياسة والاجتماع إلى الأدب والإبداع. وبالفطرة العلمية الأصيلة والمشبعة بالمحبة الإنسانية الواسعة يبدأ طريق الحياة، لافتاً إلى أهمية الأستاذ القدوة وخص بإعجابه الكبير الناقدين الكبيرين محمد غنيمي هلال ومحمد مندور، وكانت هذه بداية الطريق في النقد.
ويتابع الناقد الكبير سرد جوانب من سيرة الحياة، فقد أتيحت له منحة دراسية عليا في إسبانيا حيث عانى شظف العيش، وبعد عامين جاء الفرج وتم تعيينه أستاذاً مساعداً لتدريس الأدب العربي وترجمته في الكلية ذاتها. ولفت نظره نشاط حركة الترجمة إلى الإسبانية بفضل المثقفين في أميركا اللاتينية. وقد أتاحت له سعة الترجمة فرصة الاطلاع على المنهجيات البنيوية والسيميولوجية والتفكيكية والجمالية قبل أن تشيع باللغات الأوروبية الأخرى.
رحلات وحوارات
وفي بداية الثمانينيات أتيحت له أيضاً تجربة مهمة، هي تأسيس مجلة «فصول» مع رفيقيْ دربه عز الدين إسماعيل وجابر عصفور، برعاية الشاعر صلاح عبدالصبور، وانبثقت حركة نقدية جديدة في الوطن العربي شارك فيها كل من: عبدالسلام المسدي من تونس، وكمال أبوديب من سوريا، ومحمد برادة من المغرب وآخرون. ونشر في العدد الأول من المجلة أول بحث تطبيقي له، وهو «إنتاج الدلالة في شعر أمل دنقل».
ويشير الناقد إلى أنه مُني بخيبات أمل يصفها بأنها «صغيرة»، ثم تجاوزها. ويعرض لمحات متعددة من حياته وأعماله النقدية ورحلاته وحواراته في مصر وإسبانيا الأندلسية والمكسيك. ويستعرض بعض الصراعات بين القديم والحديث وبين الداخل والخارج.
هذه جوانب من سيرة ومسيرة هذا الناقد العربي الكبير، وكان برنامج «أمير الشعراء» أول من عرفنا إليه وأتاح لنا الاطلاع على آرائه النقدية الحصيفة التي لا يمكن أن ينساها مئات الشعراء الشباب الذين اشتركوا في هذا البرنامج.