عبدالوهاب العريض
من ساحة الأرقام والمعادلات الرياضية، جاءت الدكتورة مياسة السويدي لتقدم رؤيتها في عالم الفن، وتصوغ وفق رؤيتها الخاصة مزيجاً مختلفاً بين الفن والرياضيات.. ومن الرياضيات، اختارت أستاذة الذكاء العاطفي في جامعة البحرين متوالية النسبة الذهبية لتطرح تساؤلاتها المختلفة حول علم الجمال، في محاولة لإشراك المتلقي في طرح التساؤلات، والبحث عن الإجابات حول تعريف علم الجمال، وهل هناك نسبة ذهبية له، ومن هذا الاستفسار وغيره انطلقت السويدي باستخدام أناملها وألوانها في تقديم ما يزيد على مئة لوحة في معرضها الشخصي الأول الذي أُقيم بالتنسيق مع ربيع الثقافة في مملكة البحرين، واستضافه مركز الفنون التابع لهيئة البحرين للثقافة والآثار.
وفي هذا الحوار، تحدد مياسة السويدي بكلماتها طبيعة الألوان والقطع الفنية التي استخدمتها لتربط بين علوم الرياضيات من جهة والفن والجمال من جهة أخرى.
* في البداية سألت الدكتورة مياسة السويدي، حدثينا عن المعرض الذي أقمته ضمن مهرجان ربيع الثقافة في البحرين، ويحمل عنوان «النسبة الذهبية»، حيث إن العنوان يوحي بأنه يجمع بين الرياضيات والفن، فلماذا اخترت اسم النسبة الذهبية تحديداً؟
- النسبة الذهبية هي متوالية رياضية لعالم الرياضيات ليوناردو فيبوناتشي، وهي متوالية حسابية شهيرة جداً وسهلة ومباشرة، كل عدد فيها يساوي حاصل جمع العددين اللذين يسبقانه، فعلى سبيل المثال لو بدأنا برقم واحد فإن واحد زائد واحد يساوي اثنين واثنين زائد واحد يساوي ثلاثة، وهكذا تمضي المتوالية الحسابية إلى ما لا نهاية من الأرقام.
* إذا كان الاسم عنواناً يعطي فكرة عن المعرض نوعاً ما، وهو يجمع بين الفن والرياضيات، فلماذا أردت الجمع بينهما علماً بأنك درست الرياضيات؟
- ربما يبدو الفن والرياضيات عالمَين منفصلين تماماً، فمثلاً الفن يُعنى بالخيال والجمال والتعبير، بينما تُعنى الرياضيات بالمنطق والحقيقة والثوابت، والمدقق في هذه الأمور سيجد الجسر الرابط بين الجمال والتجريد، ولكن الأمر يتطلب منه أيضاً النظر في تكوين هذه الأنماط وهذا الدمج بين المواضيع الحسابية والفن، ولطالما استهواني عالم الأرقام والأشكال الهندسية بحكم تخصصي في الرياضيات، ولكنني في الوقت نفسه أغرم أيضاً بعالم الفن، فمثلاً في عالم الحساب نجد أن واحداً زائد واحد يساوي دائماً اثنين، ولكن في عالم الفن قد نجد أن واحداً زائد واحد يساوي 11، والفرق هنا كبير جداً، لأن الحرية التي يمنحها الفن والإبداع، تتيح لي الفرصة للانطلاق في عالم الخيال.

الفن والرياضيات
- جئت من عالم الرياضيات فما الذي جذبك إلى الفن؟
* كما يقول نيتشه: «لقد اخترعنا الفن كي لا نموت من الحقيقة»؛ لأن الحياة ستكون باهتة جداً من غير الفن، فعملية خلق الإبداع والفن تفتح أعيننا على عالم مختلف وساحر، ونجد أرواحنا تحمل مشاعر مختلفة، وتفتح أبواب المعرفة. كما أننا من خلاله نتعرف على أناس مختلفين، وربما بدأتُ مثل أي طفلة ترسم وتعبث بألوانها، ولكن البداية الحقيقية كانت بمشاركة هذا الفن مع الآخرين؛ لأن هناك اختلافاً كبيراً بين أن ترسم لنفسك وأن ترسم وتعرض ما ترسمه للآخرين. 
لقد أحببت الفن وأحببت عالم الفنانين لأن الفن وسيلة للتعبير والانطلاق والحرية، بينما علم المنطق والحساب وبعض الأمور الأخرى تنطوي على حقائق ثابتة لا نتعثر بها في دروب الفن الذي يقدم لنا الكثير من الاحتمالات والأبعاد والإمكانيات.. فمثلاً حينما نتكلم عن فن الكولاج نجد أنه قائم على تجميع قصاصات متنوعة لتشكّل لوحة معينة، وهذا الفن تحديداً يجعلني أفكر بطريقة مختلفة وأجمع شتات روحي، إذ تمنحني كثرة الاحتمالات المزيد من الفرص لطرح الأسئلة، فهناك دائماً بداية جديدة ومحاولات مختلفة وجمال متنوع في الفن، إذ من الممكن أن تضع لوناً أو جزءاً بسيطاً ثم تجد أنه يحكي كل حكايات اللوحة. وهذا كله يعلمنا فن الاختزال وكذلك يعلمنا فن اختصار الكلام، فكلمة واحدة قد تكفي في كثير من الأحيان! وفي قناعتي فإن الجميع بحاجة إلى الرسم لأنه وسيلة للتعبير عن الذات والمشاعر، وقد يمنحنا بعض الإجابات التي نبحث عنها.

الأرقام واللوحات الفنية
* ما هو الهدف من الجمع بينهما... هل هو الشغف فقط؟
- منذ بداية رحلتي الفنية وأنا دائمة البحث عن مواضيع تمثلني في الفن، فنحن عندما نرسم نحتاج لأن ننطلق من فكرة أو هدف، أو ربما تساؤل، وبحكم خلفيتي الثقافية والمعرفية في عالم الرياضيات، أجد نفسي لاشعورياً أضيف هذه الأرقام في أعمالي الفنية، ولهذا اخترت أن يكون هذا الرقم تحديداً أو ما يعرف بـ«النسبة الذهبية» موجوداً أو عنواناً لمعرضي هذا، فكل ما يحتويه المعرض قائم على هذه النسبة.
* لكن ما هو الفارق بين النسبة الذهبية وبين الرقم الذهبي؟
- في النسبة الذهبية نحن نبدأ بمتوالية فيبوناتشي، وفي البدء هي متوالية حسابية نحصل من خلالها على الرقم الذهبي، عن طريق قسمة الرقم الثاني على الرقم الذي يسبقه فنحصل على نسبة تساوي تحديداً 1.618، وهذا الرقم تحديداً هو الرقم الذهبي، ويسمونه أيضاً «الرقم المقدس»، وذلك لما فيه من جمال وسحر في عالم الفن، وكذلك في عالم الرياضيات.

الألوان والجمال
* الألوان في لوحاتك تلعب دوراً مهماً جداً، نراها زاهية متناغمة، تجذب العين للنظر إلى اللوحة، فماذا يعني لك اللون في معرض قائم على الفن والرياضيات؟ وهل يمكن للون أن يخضع هو الآخر لهذه النسبة الذهبية؟
- ربما لم يخضع اللون ذاته، ولكن المواد المستخدمة خضعت لتلك النسبة الذهبية، فقد استخدمت مواد مختلفة مثل الصور الفوتوغرافية، كما استخدمت مادة اسمها إكرليك وهي تقارب البلاستيك، فالمواد ربما تكون خضعت للوصول إلى المستطيل الذهبي. أما بالنسبة للون فأنا أختار الألوان بحسب طاقتي وإحساسي، ولهذا يجد المتلقي صخباً في ألواني، وربما يجدها ألواناً قوية نوعاً ما، فأنا أحب الألوان وأرى أن عالم الفن جميل فمن لا يحب التمتع بكل هذه الألوان.
* ما هو دور المرآة في هذا المعرض؟
في هذه المجموعة من اللوحات، استعنتُ بصور مختلفة تمثل الجمال الإغريقي، كما استعنت بوجوه ذات ملامح من أعراق مختلفة، ثم أضفت في عدد من اللوحات بعض المرايا، والسبب في ذلك أني أردت أن يكون المتلقي نفسه جزءاً من اللوحة، حتى يتمكّن من مشاركتي التساؤلات التي طرحتها، كما أضفت نوعاً من التقسيمات إلى المستطيل الذهبي اعتماداً على النظريات الرياضية، لنبحث معاً -أنا والمتلقي- عن إمكانية تحديد الجمال بمعيار رياضي، وهل من الممكن أن يكون هناك مقياس عالمي للجمال يناسب كل الأعراق البشرية، والسؤال الأهم: أين تكمن هوية الإنسان الحقيقية في كل ذلك، ففي المرآة نجد انعكاساً لوجه المتلقي الذي يصبح جزءاً من اللوحة ذاتها.