نوف الموسى (دبي)
مناقشة الأعمال الإبداعية ذات الارتباط التفاعلي بين التكنولوجيا والفن، تحمل بين طياتها العديد من التنبؤات والأسئلة الجدلية، التي تكاد تكون مُدهشة في الكثير من الأحيان، كونها تواجه مناهج التفكير القديمة، حيث تفتح آفاقاً جديدة لأساليب من التحليل والبحث المغايرة تماماً، خاصةً أنها في المجمل أصبحت مبنية على التجربة المجتمعية، أي أن تفاعل الإنسان والطبيعة المحيطة، يمثلان معياراً جوهرياً لبناء منظومة عمل التقنية بأشكال فنية متعددة.
وفي حوار «الاتحاد» مع المهندس الإماراتي أحمد العطار، حول تعاونه مع الفنان الإماراتي سعيد المدني، لإنتاج العمل التركيبي بسماته الحركية والصوتية الفنية «تموج»، أوضح أهمية بناء المجتمعات التقنية الفنية كقاعدة رئيسية تلتقي فيها الأفكار والجهود البحثية في قطاع الفنون، للوصول إلى حالة من التوازن المطلوب لإنتاج الأعمال الفنية القائمة على التكنولوجيا، والعمل التركيبي «تموج»، هو نتاج ملاحظة عامة نحو الكثير من المبدعين الإماراتيين الشباب في هذا القطاع تحديداً، حيث إنهم إما يتوجهون في أعمالهم الإبداعية لاستخدام التقنية بالكامل، أو للفنون بطريقة مركزة، دونما تركيز على مسألة الموازنة التفاعلية بين العنصرين في نشأة الفكرة الفنية وتطورها، وأضاف أحمد العطار، أنه استطاع تقدير ذلك من خلال النقاشات التي جمعته مع الفنان سعيد المدني، فهو صاحب الفكرة فنياً، بينما عمل أحمد العطار في مجال هندستها كتقنية تفاعلية، والتي استهدفت السؤال عن مبحث تكوين الهوية الشخصية في زمن التشبع التكنولوجي.
سياق خاص
يتكون العمل الفني من 10 محركات، مثبته على أعمدة خشبية تعمل بشكل عشوائي، مرتبطة بسلك شفاف ممتد طولياً في نهايته بأجراس، فتح المهندس أحمد العطار القابس الكهربائي الموصول بالعمل التركيبي، وبدأت الأسلاك الرفيعة الشفافة بالحركة، هنا فسر المهندس أحمد العطار معطيات الحركة في العمل الفني: «ستلاحظون في البداية صوت دويّ الأجراس، وهي دلالة على البداية، وأردنا بها كذلك أن ينتبه المتلقي، ويرتكز في اللحظة الفاعلة لبدء الحركة، بعد فترة زمنية من عشوائية الحركة، سيلاحظ المتلقي أن هناك نمطاً تشكل من التناغم الجماعي للأجراس، وهو بمثابة رتم يحمل سمة تنظيمية ذات سياق خاص فيها، مكوناً ما يمكن أن نسميه هوية شخصية للحركة، وهو ما هدفنا إلى بيانه، إذ كيف أن الهوية تتشكل وتتأثر بكل ما يحيطها، مثلما هي قطرة الماء في الموجة، كيف يحدث بينها التدافع من الأعلى والأسفل، لإحداث حركة الموجة، إذاً من المحيط العشوائي المادي الملموس بنى النظام نفسه، وهي المرحلة الأولى التي نود أن نوضحها في تجربتنا الفنية، أنه من خلال البعد الفيزيائي المادي للأشياء نستطيع استشعار حقيقتها، بالمقابل فإن التضخيم لتقنية الافتراضية قد تفقدنا حقيقة الإحساس بالأشياء».
الحس والذكاء
البحث في التفاصيل الفكرية والفلسفية والثقافية، للعمل التركيبي «تموج»، قد يأخذنا إلى أبعاد مختلفة، فمثلاً من بعد أن تبنى الهوية الشخصية، ذات السمة العشوائية في تداخلاتها بين الطبيعة والإنسان، ما الذي يحدث إبان حاجة الهوية للتطور، هل يستدعي الأمر أن تعيد الهوية بناء نفسها من خلال عشوائية أكثر تقدماً من العشوائية السابقة التي بنيت عليها الهوية بشكلها الأولي؟
من جهته، اعتبر المهندس أحمد العطار، أن السؤال ينقلنا بشكل بدهي إلى المراحل الثانية التي يدون العمل عليها وهي إمكانية إضافة الحس والذكاء في العمل التركيبي، مبيناً أن هناك الكثير من الفنانين والمهندسين نجحوا في إضافة الحركة والحس معاً، حيث شاهدنا العديد من الأعمال التي تتفاعل معنا بشكل آلي، بمجرد أن نقف أمامها، ولكن لا تزال فكرة إضافة الذكاء عملية جديدة، وقد تساهم في إحداث نقلة حقيقية في مجال الفنون التقنية، ويعني المهندس أحمد العطار بالذكاء في هذا السياق «مقدرة التقنية الفنية أن تتعلم من المحيط»، إنها مسألة شبيهة ببناء الذاكرة، فاليد في جسم الإنسان تأثرت بمحيطها البدائي واستهلت بحمل وبناء الأشياء، ومن ثم حضر الذكاء من خلال قدرتها على العزف والكتابة، مضيفاً أن رسالته للدكتوراه تدرس كيف يمكن ليد روبوت أن تتحرك مثل يد الطفل، من خلال استخراج خوارزميات تشتغل بهذه الطريقة التفاعلية الذكية.
الذكاء الاصطناعي
لفت المهندس أحمد العطار حول موضوع الذكاء الاصطناعي ووصوله إلى مستويات عالية من التفاعل، إلى أنه طالما الإنسان صمم زراً للطوارئ، فهو قادر على إيقاف كل شيء بمجرد فصل التقنية عن الطاقة، ويعتقد أننا لا نزال في أيادٍ أمينة، وأن هذا الأمر تحديداً، يعود بنا إلى سؤال الذكاء والذاكرة التي تبنيها التقنية مع التكرار وتراكم التجربة، فهل يمكن أن نجعلها مستمرة في النمو، أم أنه بمجرد أن نفصل التقنية عن مصدر الطاقة، تنتهي مسألة الذاكرة المخزنة، ويتلاشى الذكاء المبني عليه، وتبدأ التقنية بالعمل من الصفر.