هويدا الحسن (العين)

القصة القصيرة جنس أدبي مثله مثل الرواية لكنه يعتمد على تكثيف الأحداث وسردها في عدد صفحات قليلة وأحياناً في بضعة أسطر، وغالباً ما تدور القصة القصيرة حول حدث واحد فقط وعدد قليل من الشخصيات الذين يرتبطون بشكل مباشر بهذا الحدث، وفي الأغلب الأعم تدور حول شخصية واحدة.
لكن أين نشأت القصة القصيرة وكيف؟ الحقيقة أنه سؤال تصعب الإجابة عنه، فالقص فعل إنساني تضرب جذوره في عمق التاريخ البشري، سواء كان قصاً شفهياً تتناقله الأجيال، أو قصاً مكتوباً على جدران معابد الحضارات القديمة، أو مدوناً في كتب قديمة على مر التاريخ، وقد يكون من الصعب في كثير من الأحيان الفصل بين الأجناس الأدبية المختلفة، فالأساطير في الحضارات القديمة يمكن تصنيفها كنوع من أنواع القص، وإن اختلفت خصائص القصة القصيرة، كما وضعها النقاد والباحثون في العصر الحديث عن خصائص بناء الأسطورة، لكن يبقى أنها أحد الأشكال البدائية لفن القصة القصيرة مثلها مثل القصص في مختلف الميثولوجيات القديمة، فجميعها تروي قصة تعتمد على التكثيف والتركيز على حدث واحد لشخص أو عدد قليل من الشخصيات، وعند الحديث عن فن القصة القصيرة لا يمكننا تجاهل أن الفن القصصي بدأ في الشرق من خلال قصص ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، وحتى في فن المقامات. تعتبر ألف ليلة وليلة ذروة فن القص العربي، وقد انتقلت قصص ألف ليلة وليلة من العرب إلى أوروبا في حدود القرن الرابع عشر، وتأثر بها كثير من الكتاب الذين مضوا في تطوير هذا الجنس الأدبي.
التأثير العربي
في كتاب «تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس» يتوقف مؤلفو الكتاب عند تأثير القصص العربية في الأدب الغربي، وخاصة فيما اصطلح عليه فيما بعد بفن القصة القصيرة «نجد تأثير القصص العربية على نشأة الأدب القصصي في أوروبا، ولقد قام بدرو ألفونسو بترجمة ثلاثين قصة من العربية إلى اللاتينية تحت عنوان «تعليم العلماء» ذكر فيها قصة المرأة التي خانت زوجها الغائب، والذي عاد فجأة فأنقذتها أمها من هذه الورطة بأسلوب ماكر، وقد انتشرت هذه القصة في الأدب الأوروبي، ومن ناحية أخرى أثرت «كليلة ودمنة» في الأدب بعد أن ترجمت في  حوالي عام 1250 م إلى الإسبانية، كما ترجمت بعض القصص التي تسربت من «ألف ليلة وليلة» إلى الأندلس، ومنها حكاية «الجارية تودد» التي ترجمت إلى الإسبانية في القرن الثالث عشر، وأثرت بعد ذلك في إنتاجات كبار أدباء المسرح الإسباني. وبذلك احتل كتاب «ألف ليلة وليلة» مكانة مهمة في تاريخ الأدب الأوروبي بما يصوره عن الشرق الغامض والساحر، والذي يزخر بالكنوز الرائعة والمغامرات المذهلة، وبذلك أصبحت الصورة نصف الخيالية عن الشرق كما أظهرها الكتاب مجسمة إلى حد كبير في الأدب الأوروبي.

معطف غوغول
ظل الكتاب يدورون في فلك «ألف ليلة وليلة» حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي عندما ظهرت قصة المعطف للكاتب الروسي الشهير غوغول، وتلتها الكثير من قصصه التي تميزت بطابع إنساني مميز، وفي نفس التوقيت تقريباً ظهر الكاتب الأميركي إدغار آلان بو، الذي قدم عالماً قصصياً جديداً مليئاً بالرموز والرؤى والخيالات.
ظلت القصة القصيرة تطور في عناصرها المختلفة حتى اتخذت شكلها الفني المتعارف عليه على يد الفرنسي جي دي موباسان ومعاصره الكاتب الروسي الشهير أنطوان تشيكوف، الذي كان له أثر كبير في تطوير القصة القصيرة، وأثرت كتاباته في أغلب الكتاب الذين جاؤوا من بعده لما قدمه في قصصه من تجربة إنسانية شديدة الصدق، والواقعية، والإنسانية، والعمق.
ومع ظهور الصحافة وانتشارها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ازداد انتشار فن القصة القصيرة، وكثر كتابها المتميزون.