هويدا الحسن (العين)
مثلما نشأ المسرح قديماً في بلاد الإغريق من رحم الاحتفالات الدينية، نشأ فن الأوبرا داخل قاعات الكنيسة، حيث يرى المؤرخون أن تطور الأوبرا تاريخياً انطلق من الترانيم والمدائحيات، وهي مجموعة من المؤلفات ينشدها المداحون في الأعياد، وكان العرض يتميز بالإخراج المعقد وتقدم المدائح بأسلوب متعدد النغم، وبعدما كانت تقدم العروض داخل الكنائس انتقلت إلى باحاتها ثم إلى الساحات، وفي القرن الخامس عشر ظهرت المنصة بظهور التمثيليات الدينية.
يرى الناقد والمسرحي الإيطالي فيتو باندولفي في كتابه «تاريخ المسرح» أنه يجوز لنا أن ننظر إلى المدائحيات على أنها أول شكل من أشكال المسرح الموسيقي الذي قدر أن يتحول إلى عروض موسيقية ابتهالية، وإلى أوبرا مغناة، بمعنى آخر يمكن القول إنها أوبرا ذات موضوع ديني.
تطور تدريجي
في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ظهرت عروض داخل بلاط وقصور النبلاء تميزت بالثياب الفاخرة والديكورات الضخمة، وكانت ألوان الأزياء تختار بعناية، كما كانت هناك تعاليم للحركة على المنصة وتصميم إضاءة مناسبة للمنظور المرسوم واستخدام المرايا، واستخدمت أوركسترا موسيقية دمجت بعناية لتتداخل مع الكلام أثناء العرض المسرحي. وقد تزامن تبلور فن الأوبرا على يد الملحن الإيطالي جاكوبو بيري مع بدايات عصر الباروك، أو بالأحرى مرحلة الانتقال من عصر النهضة لعصر الباروك، حيث بدأ المؤلفون يولون الاهتمام بالتقدم الهارموني، كما استخدموا النغم الثلاثي الذي يعد فاصلاً غير مستقر لخلق التنافر، وكان استخدام الهارموني موجهاً نحو المقامية، وهو ما يمثل الانتقال من عصر النهضة للباروك، وقد أدى هذا إلى فكرة أن التآلفات بدلاً من النغمات يمكنها تقديم إحساس بالقفل، وهي أحد الأفكار الرئيسية المعروفة بالمقامية.
الأوبرا الأولى
تعتبر المسرحية الأوبرالية «دافني» لجاكوبو بيري «1597» هي الأوبرا الأولى، وكانت «دافني» محاولة لأحياء المسرح الإغريقي الكلاسيكي والتي كانت بدورها جزءاً من السمات المميزة لعصر النهضة، لكن للأسف دافني فقدت أجزاءها وضاعت، وفي عام 1600 ظهرت يوريديتشي وهو عمل آخر لبيري والتي لا تزال محفوظة حتى وقتنا الحالي.
وفي العام نفسه، ظهر نموذج جديد للتمثيلية الدينية، كتبها إيميلودي كافالييري واستخدم فيها الرقص والغناء إلى جانب المشاهد المسرحية، وكانت تشبه في سماتها أوبرا بيري، حيث كانت تضم مجموعة إنشاد كورالي بسيط وبفواصل من موسيقى الآلات المناسبة لكل شخصية درامية والمصاحبة للأصوات البشرية في اتحاد نغمي وفقاً لطبقاتها الصوتية، وفيه تحول الحوار إلى غناء بجانب أجزاء الكورال والأدوار المنفردة، ويعد كافالييري أول من نقل الموسيقى إلى خشبة المسرح، وأول من حول المسرحية إلى ألحان، وكان كافالييري راقصاً وعازفاً للأرغن وأستاذ غناء، ومهد الطريق الحقيقي إلى الكتابة الأوبرالية.
الفن الرفيع
على الرغم من نشأة الأوبرا في إيطاليا، إلا أنها انتقلت كفن رفيع تفضله الطبقة الأرستقراطية إلى بقية أنحاء أوروبا، وقد سيطرت الأوبرا الإيطالية على معظم أرجاء أوروبا رغم ظهور مؤلفين عظام في بقية دول القارة العجوز أمثال شوتز في ألمانيا، لولي في فرنسا، برسل في إنجلترا، وغيرهم الكثير ممن ساهموا في تطوير فن الأوبرا.
ومع تطور فن الأوبرا أصبح يجمع الفنون السبعة بداخله، فهو كما يعرفه أحمد بيومي في كتابه «قاموس الموسيقى».