نوف الموسى (دبي)
يبدو أن هناك «اللغة المجهولة» التي تستطيع أن تكون أُسّ كل اللغات، وهي اللغة ذاتها التي إذا لم نكتشفها فينا، فليس بمقدورنا أن نعبر حتى بلغتنا، بهذا الوصف البديع، الذي يكاد يكون تعبيراً دقيقاً عن الطريقة التي يتواصل بها الإنسان مع كينونته، استطاع الكاتب والمفكر والروائي الليبي إبراهيم الكوني أن يفتح أفق التأمل في الاحتمالات اللانهائية لقدرة الإنسان في البحث عن الحقيقة، من خلال البدهيات الأولى للغة الروح، فهي القاسم المشترك الأعظم كما وصفها الكوني في جلسة حوارية بمكتبة محمد بن راشد، لكل اللغات، أدارتها الإعلامية الدكتورة بروين حبيب. وإذا لم نحاول أن نستنطقها في أعماقنا المجهولة وكياننا الروحي، فلن نتمكن من أن نعبر عن أنفسنا، ولا عن وجودنا، ما دامت اللغة هي الوجود. وتابع: أعتبر نفسي محظوظاً أن العناية الإلهية دلتني على هذه اللغة، التي هي اللغة العربية، التي وجدت فيها نفسي، كما وجدتها في لغتي الأصلية الأمازيغية، فاستهوتني، وأحببتها، لأنها أحبتني، ووجدت من خلالها الأوتاد الخفية مع لغتي الأصلية، فإن عراقة اللغة تأبى إلا أن تفرض نفسها في نهاية المطاف.
العنصر الميثولوجي
وفي نصوص الروائي إبراهيم الكوني، جلسنا جميعنا في صحراء كبرى، نراقب أفعاله الإبداعية وهو يستنطق العنصر الميثولوجي، يراها الحرية والهجرة، قائلاً: الصحراء تفرض علينا أن نهجرها، دون أن تغادرنا، تقوم بدور التربية، تربينا على تحمل فسحة الحرية من دون أن يفقد المرءُ ضميره، في الهجرة يستطيع الإنسان أن يغير ما بنفسه، وبعدها بمقدوره أن يغير العالم، كل ما فعلته هو أني استنطقت العنصر الميثولوجي في الصحراء، وليس العنصر الأيديولوجي.
وفي إفاضة لافتة، استمر الروائي إبراهيم الكوني، في بيان أنه ليس المهم المكان الذي نسكنه، ولكن المكان الذي يسكننا، ولماذا الصحراء؛ لأنها مسقط رأس التكوين، ومهد الديانات «فنحن نتعامل مع الصحراء كحرم ممنوع العبث فيه، فقد علمونا أن لا نكسر بيض الطير، وأن لا نصطاد الحيوانات بهمجية، هي ليست مجرد بيت. فالصحراء وطن الحرية».
جدل الشخص والنص
وأوضح الأديب والمفكر إبراهيم الكوني أن هناك جدلاً حول الشخص والنص، في عالم تقنية المعلومات، فنحن نعيش أزمة تغييب النص، فالعالم يبدي اهتماماً أكبر للمعلومة وللصورة الخارجية، وهو ما يجعلنا مقبلين على حقبة عصر مختلف، وخاصة أن حقيقة الإنسان في نصه، منذ أن قرر أن يكون نصاً، ومن هنا فإننا نغترب عن كينونتنا، ومن ثمّ استمرار السؤال عما هي الحقيقة؟ الذي قد يبدو سؤالاً في غاية البساطة، إلا أنه يحوي كل تجربة الكينونة، متضمناً مستقبلنا وماضينا، مكتشفين أن الإنسان هو اللغز هو السؤال، الذي نستطيع أن نكتب عنه إلى ما لا نهاية، حيث نستطيع أن نمارس الحياة ونطمع في الوجود ما دمنا نعتبر أنفسنا سؤالاً قائماً، إذاً نحن أحياء، وإذا ما أجبنا فإننا نفقد مبرر وجودنا، وقد نموت!