نوف الموسى (دبي)
تكمن أهمية قسم «بوابة» ضمن مسارات العرض الرئيسة في «آرت دبي» بنسخته الـ16، لعام 2023، أنه مستمر في إلقاء الضوء على التجربة الفنية بأبعادها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية في أنحاء الجنوب العالمي، مشكلةً منصة نوعية لنقاشات فكرية، ذات أبعاد أساسية في موضوعات التنمية الحضرية، وطبيعة العلاقات الإنسانية أمام الابتكارات التقنية السريعة، والتحديات الآنية في المتغيرات المناخية، وكيفية استحضار القيم التقليدية، باعتبارها تحمل حالة أصيلة في الارتباط الفعلي بين الإنسان ومحيطه، كونها امتداداً لتفاعل حيّ مع البيئة الطبيعية.
وفي حواره مع «الاتحاد»، أكد القيّم الفني على قسم «بوابة»، فيباش بوريشانونت، محاضر في قسم تاريخ الفنون بكلية الآثار، بجامعة «Silpakorn»، الواقعة في العاصمة التايلاندية بانكوك، أن النداء الفني الذي قدمته «آرت دبي» للفنانين في الجنوب العالمي، جعلنا أمام تنوع مذهل في طبيعة الأعمال الفنية، والطريقة التي تناول فيها نحو 10 فنانين مشاركين في التعبير عن أفكارهم، باستخدام وسائط متعددة، توحي بثراء الموروث في الثقافات المختلفة التي تعيش في هذه المنطقة من العالم، منطلقاً من الرسم والنسيج والتركيب والنحت، مروراً بالحالة الاجتماعية التي أنتج تفاعلاً مع تلك الوسائط والقصص التي تسردها تلك المشروعات الفنية، وصولاً إلى الجمهور الذي بإمكانه أن يؤسس للغة حوارية مع معطيات الفعل الإبداعي، وإمكانية المشاركة في إحداث تغير يدعم القضايا الإنسانية، ويسمح لها بالتوسع والوصول لنتائج تثري التجربة الإنسانية وتحفظ أهمية تواصلنا المستمر والفعال مع استدامة البيئة المحيطة، بتعبيراتها الإبداعية وعناصرها الحيّة.
الرسم العكسي
يذهب القيّم الفني فيباش بوريشانونت، بجولة حول أهم تلك المشاركات الفنية في «بوابة»، من مثل الإطلاع على الاشتغالات التفصيلية للفنان الفلبيني Gregory Halili، المُشارك عبر «Silverlens» غاليري، حيث نرى كيف أن استخدامه لطريقة الرسم العكسي، وهي الأكثر شيوعًا في الرسوم المتحركة الخلوية، لكائن الفراشة، على الأسطح الشبيهة بالزجاج، تقدم تأملاته حول حالة «الهشاشة»، سواء كان ذلك في الطبيعة أو الوجود الإنساني أو حتى النظام الاجتماعي، بالنسبة لمقولة الفنان حول عمله، فهو يؤكد أنه يذهب نحو الأمل في الطبيعة ووجودنا فيها، وإمكانية فعل الخلق والاستعادة، بالمقابل تركزت أعمال الفنانة الهندية Gunjan Kumar، المشاركة عبر «EXHIBIT 320»، حول رمزية «الصفر»، ونقطة انسجام العقل والروح، اللافت في عمل الفنانة Gunjan، رائحة بهار «الكركم»، كونها استخدمت سلسلة مواد من مثل «الكركم» و«معادن» الأرض و«الكربون»، لإحداث حالة الوصول القصوى لتجربة الكائن الموحد وجوهره، أيّ ما يعكس الحقيقة والظل، ممثلةً سيرورة صوفية، ومحاكاة فلسفية لما يمكن أن تمتلكة الأشياء من فكرة عدم الازدواجية، من خلال رؤية المتناقضات في وقت واحد، وهو ما يمكن أن يجعل رؤيتنا للمساحة والشكل خارجها وضمنها في تساوي بديع.
الجمال المحتمل
اهتم الفنان الكيني DICKENS OTIENO، من خلال مشاركته عبر «CIRCLE ART» غاليري، بلفت انتباه الجمهور إلى الجمال المحتمل في الأشياء التي ينظر إليها على أنها غير مجدية أو عديم الفائدة، يعيد تدوير المكونات وينسجها في عملية إبداعية مستوحاة من التناغم الطبيعي في البيئات المستدامة، ذات الإنتاجات العفوية المستمرة والتشكلات اللانهائية، من الإفرازات اللحظية للحياة الطبيعية، كانت ولدة الفنان DICKENS تعمل في مجال الخياطة، وبذلك قضى ساعات طويلة وهو يتأمل التحركات الأبدية للألوان والأنماط، وقدرتها على النمو والتمدد في حالات الحياكة، ما جعله أقرب إلى الأقمشة، وآلية إضفاء لمحة الهوية والمعنى على الأشياء الوظيفية، بينما جاء الفنان الأندونيسي «ماريانتو» المشارك عبر «YEO WORKSHOP»، مقدماً نداءً مهماً لأهمية الحفاظ على المناظر الطبيعية في مقاطعة «كليمنتان الجنوبية» في أندونيسيا، متحدثاً من خلال لوحات تركيبة بالأبيض والأسود تدرس الهياكل الاجتماعية والسياسية، من خلال تصوير المناظر الطبيعية، حول استكشافه لتأثير التطور التكنولوجي والتصنيع والتلوث، في استمرارية استغلال الموارد الطبيعية. يلحظ المشاهد للأعمال، حضور فعل الحكاية والأسطورة والمسرحية في محاولة للفنان من بيان مدى تأثر القبائل الأصلية لتلك المناطق، على الطغيان المستمر من قبل شركات تصنيع زيت النخيل، والزحف التدريجي للغابات، والذي يؤدي إلى أزمة فقدان العادات الأولية للقبائل، وأساليب عيشهم التي تعتمد على الغابات في استخراج الأدوية والطقوس التقليدية ذات التواصل المباشر مع البيئة الطبيعية.