إبراهيم الملا (الشارقة)
ضمن عروض الدورة الرابعة من مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، قدمت فرقة جلجامش القادمة من مملكة البحرين، مساء أمس الأول، بقصر الثقافة في الشارقة، عرضها المسرحي بعنوان: «يا خليج» الذي أبان منذ انكشاف ستارة العرض عن عمل محتشد بالموتيفات الشعبية ذات العلاقة الوثيقة بالفنون والأهازيج البحرية، المنطوية على طرح شعري ورويٍّ سردي يضع البحر على الحافة الخطرة بين الحضور والغياب، وبين الفناء والاستدعاء، وكأن مخرج العرض الفنان عبدالله البكري ومؤلفه يوسف الحمدان أرادا نعي البحر، واختارا الطابع الرثائي منذ البداية، ليشيرا بقوة إلى أن نذر محو الهوية المتجذّرة وانطماس إرثها الإنساني، تبدأ من المكان الأهم ومن المصدر الأعز اللذين ينبع منهما هذا الإرث وتلك الهوية. ولكن خطاب العرض لم يكن مباشراً أو صريحاً لتصدير هذا الهاجس المقلق، بل استعاض كل من المؤلف والمخرج بالتلميح والإشارة والرمز، كي تكون اللوحات البصرية والسمعية والكوريغراف المسرحي الفائض بالرقص والأداء الجسدي، هي الناطقة بلسان بديل.
فضاء العرض
يبدأ العرض بدخول شخص تدل هيئته على انتمائه للزمن الحاضر وهو يحمل في يده حقيبة سفر، وكأنه القادم الغريب لمكان لا يعرف عن تاريخه وإرثه شيئاً، ليتحول فضاء العرض من خلفه وبشكل تدريجي إلى كتلة من غبار الماضي وآثاره وأطلاله، وكأننا أمام متحف للأشباح يتمخطر هذا الغريب حوله ويوثقه بكاميرته الحديثة ووسائل التواصل التفاعلية التي يستغلها للتتأثير سلباً في هذا الماضي شكلاً وموضوعاً، ومن هنا يتصدى العرض للدفاع عن هذا الإرث البحري المكتنز بثقافته الغنائية والموسيقية وبعمقه الروحي المجسّد لتضحيات الأجداد والأسلاف وهم ينسجون ملحمة رائعة من قيم الوفاء العارم للأرض والانتماء الصارخ للبحر. ولذلك رأينا أن العبء الأكبر الذي حمله العرض على كاهله كان منصباً على السينوغرافيا وعلى الجانب الكوريغرافي، بدلاً من الحوارات أو التركيز على الشخصيات، ولذلك جاء العرض أشبه بلوحة شاملة امتزجت بصرياً وسمعياً لتقدم لنا الفنون البحرية العريقة في البحرين ومنطقة الخليج المعززة بإيقاعات الطبول والصنوج مثل «النهمة» و«اليامال» و«الفجري» وغيرها، بينما اقتصر المونولوج الذاتي على ثلاث شخصيات هي: شخصية «الشاعر»، وشخصية: «المرأة ذات الدلاء»، وشخصية: «المرأة ذات القناديل». واحتل الجانب الأكبر من العرض المجموعة الأدائية التي اصطبغت بلون الرمال الساحلية، فجاءت أقرب لكتلة «غروتيسكية» أو غرائبية التحمت بإيقاع جسدي متناغم حتى النهاية، وعبّرت عن التحولات السردية والمشهدية للعرض، بالتوازي مع التصاعد الدرامي في عمق وزوايا الخشبة.
وتحضر في العرض القصائد الحزينة وكلمات الشوق والشجن في فنون: «النهمة» و«اليامال». وقد امتاز بوجود مجموعة واعدة من الشباب المسرحيين الذين يمكنهم مستقبلاً رفد المشهد المسرحي البحريني بأعمال لافتة، خصوصاً مع وجود أرضية ثقافية خصبة في البحرين ومشبعة بالقصص والحكايات، وبالقامات الفنية والشعرية والسردية الرائدة في المنطقة.