أحمد عاطف (القاهرة)
تشهد ساحة النقد العربي تغيرات في الآونة الأخيرة بعد أن فقدت عدداً من روادها، أبرزهم د. جابر عصفور، ود. شاكر عبد الحميد ود. صلاح فضل، والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هي سمات الحقبة المقبلة بعد حقبة ذهبية ورحيل مثل هذه الأسماء الكبيرة؟.
الناقد المصري الدكتور عادل ضرغام، أستاذ الأدب والنقد بكلية دار العلوم بجامعة الفيوم، يجيب لـ«الاتحاد» بأن فقد هؤلاء الأعلام خسارة كبيرة للنقد المصري والعربي إذا وافقنا على وجود شيء يمكن أن يطلق عليه هذا المسمّى، فقد شعرنا جميعاً بأنه ليس هناك سماء أو مظلة تحمينا، ولكن على الرغم من وجود التأثر الكبير بهذا الفقد إلا أن مصر وثقافتها فقدت على مرّ تاريخها نقاداً وأعلاماً في حقب زمنية ماضية أمثال طه حسين، والعقاد، ومصطفى ناصف، وشكري عياد، وغنيمي هلال، ولكن لم تنته أو تتوقف الثقافة عن إنتاج نقاد ومفكرين جدد أعادوا للنقد الأدبي بريقه، وأخذوا على عاتقهم القيام بالمهمة النقدية والثقافية والأدبية، ولكن النموذج لا يتكرر بحذافيره، هناك دائماً تغييرات في كل نموذج جديد مشدودة لنظام حضاري، ومشدودة لتكوين فردي، ولكنه ليس منبت الصلة عن سابقيه، فكل نموذج يأخذ من سابقيه ويضيف إليهم.
ويضيف د. ضرغام: الوضع ليس مخيفاً كما يصوره البعض، فهناك بعض الأسماء التي تعمل منفردة في النقد الأدبي، ولكنها لا تدخل ضمن مشروع ثقافي كبير أو نسق منظّم، يبرز وجودها ويعزز عملها، وهناك أسماء ناضجة وتمتلك سجلاً حافلاً أمثال سامي سليمان، ومحمد الشحات، ومحمد عبدالباسط عيد، وسيد ضيف الله، وأيمن بكر، وغيرهم، ولكن ينقصهم العمل ضمن إطار واحد يتمثل في العمل الجماعي، بالإضافة إلى أن هناك جيلاً سابقاً على هذا الجيل ما زال يعمل مثل محمد بدوي، وخيري دومة، ومجدي توفيق، وأيمن تعيلب، ومحمد فكري الجزار، وإن كان منجز هذا الجيل، خاصة لدى أبرز الأسماء فنياً، يفتقد إلى الاستمرارية التي تحتاجها القدرة الفنية للشعور بالمنجز، ولكن الشيء السلبي في النقد المصري يتمثل في أن التميز لدى أفراده ليس نتاج نظم تعليمية في المراحل المختلفة، ولكنه نتاج جهد فردي، فنتاج النظم يصنع سياقاً، ويكون الإحساس بوجوده ملموساً، ولكن نتاج الجهد الفردي قد يكون عظيماً، ولكن الإحساس بوجوده يبدو خافتاً.
ضرورة التخصص
يشدد د. ضرغام على ضرورة التخصص، قائلاً إن بعض النقاد يتخيلون أن الفنون الأدبية قد تتقارب، وأنه يمكن لناقد الشعر أن يقدم عملاً جيداً في نقد الرواية أو القصة القصيرة أو العكس، ولكن هذا ليس صحيحاً بشكل دائم، خاصة لوجود تحولات تاريخية في كل فن من الفنون، فالناقد يجب أن يكون على دراية بتاريخ النوع جيداً وأصول كتابته، وعلى سبيل المثال لا توجد قواعد ثابتة في الراوية، بالإضافة إلى أن تحولاتها الفنية ليست كبيرة، ولا تقارن بالتحولات الشعرية التي أصابت الشعر على مرّ عصوره. ويضيف: الشعر له أصوله وقواعده الخاصة، وللعرب باع طويل فيه، وعلى الناقد أن يكون على درجة كبيرة من الوعي بهذا التاريخ المتعمق حتى يستطيع الكشف عن أماكن القوة والضعف فيه، ومن الممكن أن يحدث تقارب بين الشعر والقصة القصيرة لأن لها نفس التاريخ والأسس المشتركة مع الشعر، فهي فن قائم على الغيابات والانقطاعات مثلها مثل الشعر، ولا تقدم للقارئ بنية مكتملة جاهزة الأركان، فهي دائماً تحيل إلى غائب، والناقد يحتاج إلى معرفة أو تصوّر هذا الغائب لإدراك المتاح وفق بنيتها الخاصة، وهناك بعض الحوادث الآنية تعطي مشروعية لهذا التصور، فناقد الشعر يجب أن يكون ذا تكوين خاص، ففي مقاربته للشعر ليس لديه تلك المساحة التي قد يراها البعض سهلة في مقاربة السرد، ولهذا نجد نقاداً يقدمون منجزاً لافتاً في مقاربة السرد، ولكنهم لا يقدمون شيئاً ذا بال في مقاربتهم للشعر.
الناقد والخيال
ويوضح د. ضرغام أن الشعر يحتاج إلى ناقد يمتلك أدواته ويمتلك خيالاً مثل الراحل الدكتور صلاح فضل ليستطيع الوصول إلى الفراغات والانقطاعات لتكون الصورة الخاصة بالمقاربة واضحة، وتقربنا من النص ولا تبعدنا عنه، ولا يقف الأمر عند حدود الخيال لإدراك الفراغات والانقطاعات، ولكن الأمر يحتاج إلى كثير من المهارة، والقدرة على استغلال تلك المهارة، فالأمر مع ناقد الشعر ليس بحثاً عن منهجية لردم الفراغات والانقطاعات، وإنما يبدو بحثاً عن سردية تساعده على الفهم، وعلى الإدراك.
إعادة التصنيف
يؤكد ضرغام ضرورة الاهتمام بدعم المواهب الجديدة، فلا يمكن لناقد واحد أن يقرأ كل ما ينتج حالياً، لأن الساحة امتلأت بالشباب الراغبين في التعبير عن أنفسهم بأعمال أدبية بعضها جيد والآخر يحتاج إلى الكثير من التوقف والتوجيه دون سلطة، فهو توجيه يتمّ بشكل خاص للإشارة إلى مناح معرفية تحتاج إلى الاكتمال. فقد أصبح دور الناقد ضرورياً، خاصة في الفترة الآنية التي أصبح فيها لكل فرد أو للعديد منهم مساحة على مواقع التواصل الاجتماعي، مساحة تتيح له أن يقدم منجزه إلى الناس، وهذا الأمر أدى إلى خلخلة سلطات كثيرة منها سلطة الناقد، وأدى أيضاً إلى متغيرات كثيرة أصابت الشكل الأدبي لمعظم الفنون، وأثرت على الأنواع الأدبية والنظريات، ما يجعل حتمية إعادة التصنيف ضرورية في اللحظة الراهنة، وحتمية استعادة دور الناقد بوصفه عالماً بمساحات وأسباب الجودة، ويشير إليها.
ويرى د. ضرغام أن الشباب هم عصب الفن والإبداع، وكل القفزات الفنية قام بها شباب وتحولوا مع الوقت إلى أدباء ذوي قيمة تاريخية، ولهذا يجب متابعة تلك الأعمال الجديدة، وتشجيع المواهب على تشكيل قفزة إبداعية، فنحن في لحظة حضارية مغايرة تحتاج إلى الأفكار الجديدة، وتحتاج إلى كتابة فنية تنطلق من سياقاتها الحضارية.