فاطمة عطفة

استلهم الفن التشكيلي جمال لوحاته وتنوع مشاهده من جماليات طبيعة الإمارات وغنى تنوعها بين البحر والصحراء والجبال، وبين الواحات والكثبان، وغابات النخيل والأفلاج. إن من يجول في أرجاء الإمارات في العاصمة وما حولها من الجزر الجميلة، ويتجه إلى العين وحدائقها الغناء وجبل حفيت المطل عليها، أو يمضي إلى دبي بمعالمها السياحية والثقافية الكثيرة، والشارقة بمنجزاتها الثقافية العديدة، ويتابع التجوال في جماليات كل الإمارات حيث تنتشر عناصر الجذب السياحي الثقافي في كل ربوع الدولة، يكتشف وجهات كثيرة ومعالم سياحية جذابة تمنح زائرها البهجة والذكريات المذهلة.

شما بنت محمد بن خالد: عراقة ثقافية ومنجزات حضارية
وفي لقاء لـ«الاتحاد» مع الشيخة د. شما بنت محمد بن خالد آل نهيان، رئيس مجلس إدارة مؤسسات الشيخ محمد بن خالد آل نهيان، قالت: إن السياحة الثقافية من أهم أنواع السياحة التي من أجلها يتدفق الناس نحو بلد معين، فهي تقوم على اهتمام الناس بتاريخ وشكل الحياة في المجتمع بكل مفردات هذا التاريخ من فنون ومعمار وطقوس دينية مجتمعية وثقافة شعبية وغيرها، مبينة أن الإمارات تمتلك موروثاً كبيراً من التراث المادي واللامادي، بالإضافة إلى حداثة تعمل على بناء مستقبل حضاري إنساني عميق، وبنية تحتية ثقافية جاذبة للعالم كله. 

رافد للقوة الناعمة
وترى الشيخة شما أن كل هذه العوامل تساهم بصورة كبيرة في تحقيق تدفقات سياحية ثقافية عالية. كما أن السياحة الثقافية تعتبر من أهم روافد القوة الناعمة التي تمتلكها دولة الإمارات العربية المتحدة والتي تعزز سمعتها ومكانتها في العالم.
وتضيف د. شما أن للإمارات تاريخاً عريقاً يمتد لأكثر من خمسة آلاف عام، وقد ترك لنا هذا الإرث التاريخي الكثير من المواقع الأثرية التي باحت بأسرارها التاريخية والحضارية عبر الكشوف الأثرية المتعددة، وتُظهر تلك الأماكن عمق التواجد الإنساني والموروث الحضاري في أرض الإمارات، وتكتسي قيمة أثرية وعلمية كبيرة، وخاصة أنها تعطي علوم الأنثروبولوجيا والعلوم الأخرى المرتبطة بها المجال لدراسة كيفية تعامل الإنسان الأول مع الظروف المناخية الجافة والصحراوية، وكيف بنيت وتكونت المجتمعات في ظل هذه الطبيعة الجغرافية الخاصة، وهذا يعزز رافداً آخر من روافد السياحة هو السياحة العلمية، مشيرة إلى عراقة المواقع الأثرية حيث إن مقابر جبل حفيت ترجع إلى حوالي 3000 آلاف سنة قبل الميلاد، إضافة إلى آثار جزيرة أم النار والاكتشافات الأثرية في ساروق الحديد والقلاع والحصون المختلفة في كل إمارات الدولة. 

تثمين الذاكرة
وتوضح د. شما أن كل ذلك جعل القيادة الرشيدة تحرص على تثمين الذاكرة والتاريخ العريق من خلال إنشاء المتاحف وتحويل بعض المباني الأثرية إلى متاحف تفتح أبوابها للزوار والباحثين والسياح من أجل التعرف على تاريخ المجتمع الإماراتي عبر العصور المختلفة، وكذلك الحرص على تسجيل الموروث اللامادي في منظمة «اليونسكو»، حيث أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة الأولى عربياً والسابعة عالمياً في عدد عناصر التراث اللامادي المسجلة بـ«اليونسكو».

ترسيخ الهوية
وترى د. شما بنت محمد بن خالد آل نهيان أن السياحة الثقافية والاهتمام بها تمثل عنصراً داعماً لترسيخ الهوية الوطنية، فكون عناصر الهوية الوطنية الإماراتية تمثل إطاراً جاذباً للعالم كله، فهذا يساهم في تعزيز شعور الإنسان الإماراتي بمدى أهمية وقيمة تراثه المادي وموروثه اللامادي والأخلاقي والإنساني، ويعزز تماسكه واحترامه لتاريخه. كما أن نمو الجذب السياحي عبر الحراك الثقافي التاريخي الإماراتي ومفرداته ومعطياته، والحراك الثقافي الحداثي عبر التطور من خلال سياحة المؤتمرات والسياحة العلمية ومعارض الكتاب بأبوظبي والشارقة وغيرهما، ينعكس على التماس الثقافي المستمر مع العالم وتبادل التأثر والتأثير مع مختلف الثقافات وجذب العديد من المفكرين والفلاسفة والمبدعين والعلماء على مستوى العالم إلى الإمارات، وهو إضافة حقيقية وكبيرة للحركة الثقافية التنويرية في المجتمع الإماراتي الذي يزداد شغفه يوماً بعد يوم بتحقيق الريادة الثقافية والمساهمة الفاعلة في الحضارة الإنسانية الحديثة من خلال المنتج الثقافي بمختلف روافده.

محمد أحمد السويدي: القرية الإلكترونية أطلقت مشروع مئة مكان
ونظراً لأن السياحة تكتسي أهمية كبيرة في التواصل بين الشعوب، على المستوى الفردي والجماعي، ولها دورها الفعال في غنى الثقافة وتبادل المعارف، أطلقت القرية الإلكترونية مشروعاً ثقافياً حول أهم الأماكن السياحية في الإمارات. وفي هذا المقام، تحدث الشاعر محمد أحمد السويدي، مؤسس موقع القرية، عن هذا المشروع وأهمية المواقع الأثرية في السياحة الثقافية قائلاً: انطلاقاً من أهمية التواصل الاجتماعي الواسع عبر مواقع الشبكة الإلكترونية، أطلقنا في موقع القرية الإلكترونية مشروع مئة مكان في الإمارات، وتعد هذه الأمكنة مفاتيح لفهم روح المكان وروح الإنسان الإماراتي، وهو مشروع شجع فيه جميع المتابعين والحائزين جائزة ابن بطوطة ووجهناهم لإرساء هذا المحتوى، كما نشجعهم لزيارة هذه الأماكن والكتابة عنها، نظراً لأهميتها الكبيرة.

المقصد الأول
وحول دور السياحة الثقافية في التعرف على الطبيعة في الإمارات والمعالم الأثرية فيها، أشار إلى أن الثقافة هي المقصد الأول وربما الأخير للسياحة، والثقافة بمفهومها الأصيل هي السمة الخصوصية المميزة للإنسان، وهي تنعكس وتتجلى في أفعاله ومظهره فتجعله فرداً معروفاً ومميزاً، وتشكل المشترك المعرفي المميز للشعوب والمدن والبلدان والذي ينعكس في مختلف مظاهر حياة الناس والملابس والعادات والتقاليد والأعياد، وفي الشوارع والمباني والفنون من رسم وتصوير ونحت وموسيقى ورقص، وفي الطعام والشراب.. إلى آخر هذه العناصر التي تشكل الخصوصيات الثقافية للناس وللمدن والبلدان.

الاكتشاف والاستمتاع
وأوضح الشاعر محمد السويدي أن السياحة هي التجوال والتنقل بدافع من الفضول للتجريب والمعرفة والتعارف، حيث يسافر الناس من أجل الاكتشاف والاستمتاع بمشاهدة جمال الطبيعة، وهم يسافرون لمشاهدة كل جديد مختلف عما ألفوه، واختبار تفاصيل مفارقة لما اعتادوه، بدءاً من تنسم هواء ندي لطيف وطقس ومناخ مختلف في بيئته، إلى تذوق طعام مختلف، كما يسافرون من أجل الثقافة، لافتاً إلى أن الثقافة كانت وما زالت المقصد الأول والأخير للسياحة. 
وأكد أن دولة الإمارات انتبهت مبكراً لهذا المعنى، في ضوء الفهم الراقي للقيادة لقيمة الثقافة والخصوصية الثقافية، وذكر مثلاً أن المجمع الثقافي في أبوظبي منذ نهايات ثمانينيات القرن الماضي كان ضمن خطته الانفتاح على ثقافات العالم والتعريف بثقافة المكان وكان يتعامل مع المطبخ والفنون والتقاليد والعادات بوصفها بوابات وأعمدة ثقافية.

النهضة الشاملة
وختم الشاعر محمد السويدي حديثه قائلاً: هذه هي الإمارات وعاصمتها أبوظبي وقيادتها الحكيمة منذ عهد التأسيس، وانتقال الراية لأجيال جديدة من أبناء الوطن أثمر هذا الفكر وتنوعت تجلياته، وسمح ما وُضع من خطوات تأسيسية باستمرار وتوسع مشروعات مهمة وقيام مشاريع جديدة، وأصبحت لدى إمارة أبوظبي وبقية إمارات الدولة خطط للسياحة مبنية على هذا النهج الذي يجعل الثقافة مقصداً لا غنى عنه وسبيلاً للنهضة الشاملة، وصارت الإمارات وفي القلب منها أبوظبي نموذجاً ملهماً ومركزاً مشهوداً لتجربة السياحة الثقافية.

عمر عبد العزيز: سياحة في المكان.. والزمان
ومن جانبه قال د. عمر عبد العزيز، مدير الدراسات والنشر بدائرة الثقافة بالشارقة: إن السياحة بطبيعتها مشمولة بالثقافة.. وهنا تستعصي الثقافة على المفاهيم الإجرائية النمطية لتشمل كامل القيم المادية والروحية في المجتمعات البشرية. وبهذا المعنى، تصبح السياحة والثقافة وجهي عملة واحدة، مبيناً أن السائح الذي يجول في ربوع المكان إنما يجول أيضاً في تضاريس الزمان ويطلع على أحوال المجتمع ويستقرئ مزاياه، وهكذا يستعيد قراءة المشهد بما فيه من الجمال والجلال في تلك الشواهد والمشاهد، سواء كانت طبيعية أو عمرانية، ويمثل الإنسان ذروة المعنى من حيث كونه الشاهد الأكبر على مثابة المكان والزمان.
ويضيف د. عبد العزيز: إذا ما أخذنا هذا التعميم النظري في الحالة الإماراتية فنحن بإزاء بيئة سياحية تتوافر على مقومات أساسية وبنى تحتية خدماتية متطورة، وتنوع في التضاريس البحرية والبرية والصحراوية.. وخصائص متميزة في أفق التعامل مع الأجواء والكائنات حتى إن تلك المصفوفة الغابرة من كلمات التحديد العام لا الوصف تتسع لآلاف الكلمات التي قد تنجح في وصف تلك الشواهد والمشاهد.
ويوضح عبد العزيز أن النجاح المشهود والماثل في دولة الإمارات العربية المتحدة يعكس نفسه في مختلف جوانب الحياة، وينعكس بطبيعة الحال على السياحة الثقافية، مشيراً إلى المتاحف المتنوعة والاستراحات البحرية والبرية المتعددة، والفعاليات المهرجانية المقرونة بمختلف المناسبات، والحواضن الإبداعية التي تمنح الزائر بيئة تفاعل ومساهمات إبداعية، إضافة إلى الخدمات الأفقية والنوعية التي يحتاج إليها المرء في يومياته العامرة بالتفاصيل. ويؤكد أن هذه المقدمات العامة تجعل دولة الإمارات تمتاز ببيئة الأمان والسلام والتعايش النبيل بين أفراد المجتمع ومكوناته، ونرى بعين اليقين ما تعنيه التجربة الشائقة في أحضان السياحة الثقافية بدولة الإمارات العربية المتحدة.