أبوظبي (وام)

رفعت الإمارات عدد عناصرها الخاصة والمشتركة المدرجة ضمن قوائم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» للتراث الإنساني غير المادي إلى 14 عنصراً، متصدرة بذلك الدول العربية، ولتحتل المرتبة السابعة عالمياً من حيث عدد العناصر المدرجة في القائمة الأممية. وتعكس هذه المكانة، جهود الدولة في الحفاظ على التراث الإنساني الثقافي غير المادي سواء الخاص أو المشترك مع أشقائها في المنطقة وحرصها على صون العديد من الملفات التراثية غير المادية، وتعريف الشعوب والثقافات العالمية عليها باعتبارها ركائز أساسية في تكوين الهوية الثقافية للمجتمع الإماراتي والعربي على حدّ سواء.

وقالت معالي نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة الثقافة والشباب، في تصريح لها: «دولة الإمارات غنية بالكثير من الخيارات الثقافية التي تندرج في إطار التراث الثقافي الإنساني غير المادي التي تشير إلى خصوصية فريدة وهوية مجتمعية أصيلة تمتدّ جذورها في عمق التاريخ وتتقاطع فيها مع منظومة عربية متشابكة من الثقافات المشتركة التي تشكل هوية واحدة وإرثاً إنسانيّاً نعتزّ به ونسعى لأن نصونه ونوثّقه ليكون شاهداً على نهج الأجداد وخصوصية عيشهم ورؤيتهم للمستقبل». 
وأضافت معاليها: «تعلّمنا من قيادتنا الرشيدة أن نعتزّ بتاريخنا ونفاخر العالم به ونمضي جاهدين من أجل صونه والاعتناء به وبمقدراته، ولهذا سعينا لأن نوثّق كلّ تلك الملفات ضمن قوائم منظمة اليونسكو لنحافظ عليها ونجعلها ركائز للحوار والتقارب والاحتفاء بتنوّعنا. فهذه الملفات هي البصمة التي تميّزنا عن غيرنا، وهي الثروة الأهم التي تشكّل هويتنا ودبلوماسيتنا الثقافية التي نحاور بها المجتمعات والثقافات الأخرى».

وتعرف «اليونسكو» عناصر التراث الإنساني غير المادي بأنها كل ما يندرج تحت إطار التعبير الحيّ المتوارث من الأسلاف مثل التقاليد الشفهية، وفنون الأداء، والممارسات الاجتماعية، والطقوس والمناسبات الاحتفالية، أو المعارف والمهارات المرتبطة بإنتاج الصناعات الحرفية التقليدية. وتضم قائمة التراث الإنساني غير المادي الخاصة بالإمارات عناصر خاصة بهويتها الثقافية، بينما تتشارك في عناصر أخرى مع محيطها الخليجي والعربي، حيث تضم «السدو، والتلي، والعازي، والرزفة، والأفلاج، وفنون الأداء مثل الرزفة والعيالة، والتغرودة، إضافة إلى النخلة، والقهوة العربية، والخط العربي، والمجلس، وسباقات الهجن، والصقاره، والحداء».
ولعبت الإمارات دوراً فاعلاً في التعريف بتلك العناصر التي تمثل هوية ثقافية متكاملة انعكست بشكل مباشر في انتشارها.
ويعد «السدو» أحد أنواع النسيج البدوي التقليدي الذي يميز حياة وثقافة أهل البادية، ويُستخدم في حياكة الخيام والسجاد ورِحال الإبل، ويدخل في صناعته شَعَر الماعز وصوف الأغنام وتصنع منه البطانيات والسجّاد والوسائد وغيرها، ويُعدّ واحداً من أبرز الحرف التي لعبت دوراً أساسياً في تسليط الضوء على إبداعية الحرف اليدوية تاريخياً.

وتمثل «التلي» واحدة من الحرف التقليدية العريقة التي تدخل في تشكيل وصناعة الأزياء النسائية المحلية وقد أدرجت خلال الاجتماع الـ17 للجنة الدولية الحكومية للدول الأطراف في اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي، التي عُقدت مؤخراً في مدينة الرباط المغربية. وحرصت الدولة على أن يكون للفنون التراثية حضور واضح ضمن الملفات التي سعت لأن تضمّها لائحة المنظمة وهي «التغرودة، والعيالة، والعازي، والرزفة». وتعتبر التغرودة - وهي مصطلح يطلق على الشعر الغنائي التقليدي في البادية - فنّاً تراثياً ونمطاً إبداعياً من أنماط الشعر المرتجل يعكس قريحة حداة الإبل ورعاة الأغنام، فيما تمثل «العيالة» - وهي رقصة تقليدية من أكثر العروض الفنية انتشاراً في الدولة - أداء فنياً ثقافياً تقليدياً يجتمع فيه الرجال والصبية وهم يحملون عصي الخيزران الرفيعة ويتحرّكون بانسجام على إيقاع منتظم وصدى يصدر من الطبول، وتخصص هذه الرقصات في المناسبات الوطنية والاحتفالات الأخرى. أما «العازي» فيمتاز بكونه لوحة فنية تراثية ثقافية يصدح من خلالها الشاعر بصوته القوي الجهوري بأبيات شعرية ويرددها جواباً فريق من المنشدين الذين يحملون بنادق رمزية متكاتفين في صفوف خلف الشاعر الذي يحمل بدوره سيفاً، فيما تصنف «الرزفة» كفنٍّ تقليدي أصيل يجمع ما بين الأداء والشعر ويتم خلاله ترديد أغنيات ذات معاني تمنح المستمعين والمشاركين شعوراً بأصالة الهوية والفخر بموروثهم.

وفيما يتعلّق بـ«الأفلاج» - وهي تصغير لكلمة فلج أي القناة المائية أو الجدول المائي الصغير ويعدّ مصطلحاً متداولاً بين أبناء المجتمع المحلي وسلطنة عُمان - فدولة الإمارات تمتاز باشتمالها على الكثير من هذه الأفلاج التي كانت منتشرة في منطقة العين والمنطقة الشرقية والشمالية والوسطى واستخدمت في ريّ المزروعات وشكّلت ركناً أساسياً في حياة مزارعي تلك المناطق، حيث إن الأفلاج التي أدرجت في قائمة اليونسكو العام 2022 بمختلف قنواتها السطحية والجوفية كانت وسائل داعمة لنقل المياه من أعماق الأرض إلى سطحها، وهي تعود إلى عصور قديمة وتروي تاريخاً عريقاً للدولة.
وتعكس جهود الإمارات في الحفاظ على التراث الإنساني الثقافي غير المادي، حجم الأهمية التي توليها للمحافظة على المرتكزات الأصيلة التي تشكّل أساسات الهوية الوطنية للمجتمع المحلي والعربي على حدّ سواء، فاستشراف المستقبل بالنسبة للدولة يبدأ من الاهتمام بأصالة الماضي، وصون تاريخ الأجداد ليكون لدى الأجيال المقبلة ثروة لا تقدّر بثمن.