محمد نجيم (الرباط)

أعلن بيت الشعر في المغرب، فوز الشاعر الإيطالي جوزيبي كونتي، بجائزة الأركانة العالميّة للشعر، لعام 2022، في دورتها الـ 16، تقديراً للحوار الثقافيّ واللغويّ الذي تُصوغُه قصيدتُهُ شعرياً في بناء تركيبها ودلالاتها، ولِمَا يَكشفُ عنه هذا الحوارُ من بُعدٍ إنسانيّ مُضيء، لم تكُف قصيدةُ الشاعر، مُنذ سبعينيّات القرن الماضي، عن توسيع أخْيِلتِه وآفاقه، بحسّ جماليّ يستمد مِنْ مَعين هذه الأخْيِلة، ومِنَ المدَى المفتوح لهذه الآفاق.
 وقصيدةُ الشاعر جوزيبي كونتي، حسب بيان بيت الشعر المغربي، كتابةٌ حواريّةٌ بتجلّيات مُتجدِّدَة، فيها يَتحقّقُ الحوارُ بوَصفه لقاءَ لغاتٍ وتفاعُلَ رُؤى. وحمولاتُ هذا اللقاء، الذي تُقيمهُ القصيدةُ بين رُؤى تتداخلُ فيها ثقافاتُ الغرب والشرق، يَستضيفهُا التركيبُ الشعريُّ وهو يَستوي جَماليّاً في قصيدة الشاعر. تركيبٌ نابعٌ من منطقةِ التفاعُل، وحاملٌ أثرَ هذا التفاعُلِ في الصّوغ الشعريّ وفي بناءِ الدلالة.
 وتنطوي قصيدةُ الشاعر جوزيبي كونتي على توتّر صامت. ومَنبعُ هذا التوتّر مشدودٌ إلى انْشغالٍ معرفيّ بالاختلاف بين الغرب والشرق، بَعد أن تشرّبَ الشاعرُ مِنْ ثقافتَيْهما، وأساطيرهما، ومن المُفارَقات التي يُضمرُها هذا الاختلاف. ولكنّ التوَتّر الساري، بتجلّيات عديدة، في قصيدة جوزيبي كونتي، لا يُفضي إلى أيّ تصادُم، بل يَكشفُ عن انسجامٍ حيَويٍّ خفيٍّ، ذي مُمكناتٍ إنسانيّة واعدة، لأنّ نُسغَ المعنى، الذي تَبنيه قصيدةُ الشاعر، يَنتصرُ، وَفق المُمْكِن الشعريِّ، للمَحبّةِ الكُبرى التي تَسري في كينونةِ كلِّ شيء، بما يَدعو إلى تعلّمِ استثمار هذه المَحبّة في العلاقات الإنسانيّة.
 فالمَحبّة، التي لا تكُفّ عن الانبثاق من ثنايا توَلُّدِ المعنى في قصيدة جوزيبي كونتي، أكبرُ مِنَ التوَتّر ومِنْ كلّ مُسبّباته.. لأنّ المَحبّة المُستَوْعِبَة لكلّ توتّر، أيّاً كانت دوافعُ هذا التوتّر، لا تُرَى بالعَين العادية، بل تُستجلَى بنُور القصيدة. وهي فكرةٌ مكينةٌ في قصيدة كونتي وفي تصوّره الشعريّ. ولذلك نصَّت تأمّلاتُهُ عن مهامّ الشعر في زَمننا على ضَرورَةِ اضطلاع القصيدةِ بمَسؤوليّة جَعْل اللامرئيّ، في كلّ ما يَظهرُ في الكون، مَرئيّاً. وبهذا المَعنى، تتّضحُ مُوَجِّهاتُ انشغال قصيدة كونتي بالمَحبّة الخبيئةِ في الكون، ويتبدّى حِرصُها على الاقتفاءِ الشعريِّ للمَحبّة الصامتة في كينونةِ الحَجَر والشجَر، وفي كينونة الشّمس والبَحر، وفي غَيرها من الكائنات.
 ولا يأخذُ الحوارُ الذي تبنيه قصيدةُ كونتي وجهةً واحدة، ولا يَنحصرُ، في نُصوصه، على لقاء الغَرب بالشرق، بل يأخذُ أيضاً وجهاتٍ أخرَى، خُصوصاً في المَنحى العموديّ الذي يُهيّئُ، بصورَةٍ مُتجدِّدة، لقاءَ الحياة. ومن الجديرٌ بالذكر أنّ جوسيبي كونتي واحدٌ من الشعراء الأساسيّين في الشعر الإيطاليّ المُعاصر. وقد صدرَت له مجاميع شعريّة عديدة، لقيت رواجاً واسعاً في الأوساط الشعرية.