فاطمة عطفة (أبوظبي)
انطلقت صباح أمس فعاليات مؤتمر أبوظبي الثالث للمخطوطات، الذي تنظمه دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي على مدار يومي 7 و8 ديسمبر في منارة السعديات، تحت شعار «رحلة المخطوطات العربية من الشرق إلى الغرب... إيطاليا وإسبانيا أنموذجاً»، وذلك بالتعاون مع مكتبة مارسيانا التابعة لوزارة الثقافة الإيطالية، ومكتبة جامعة بولونيا الإيطالية، والمكتبة الوطنية في إسبانيا، ومتحف الإسكوريال الإسباني.
وافتتح المؤتمر بحضور لورينزو فانارا، سفير جمهورية إيطاليا في دولة الإمارات، وإيرينا سانشيز فيفس، القائم بأعمال السفارة الإسبانية بالإنابة، إلى جانب مجموعة من العلماء والخبراء المختصين من إيطاليا وإسبانيا ومختلف أنحاء العالم العربي.
ورحبت دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي بضيوف المؤتمر مشيرة إلى أهميته باعتباره منصة رائدة لمناقشة مخطوطات عربية قيّمة وتاريخية في مواضيع الأدب، والتراث، والدين، والموسيقى، والفلسفة، والعلوم وغيرها من المجالات، التي تبرز الأثر الكبير للثقافة والحضارة العربية في أوروبا، ودورها في بناء جسر حضاري ومعرفي رائد، مما مهد لعصر النهضة والتطوير في أوروبا.
وأكدت الدائرة على أهمية الدور الحضاري والثقافي الرائد الذي تلعبه دولة الإمارات العربية المتحدة وإمارة أبوظبي بشكل خاص في مجال الحفاظ على التراث العربي الأصيل ونشره، وتحقيق التنمية الثقافية والحضارية باعتبارها مكوناً أساسياً من مكونات التنمية المستدامة، حيث تحرص إمارة أبوظبي على إعلاء قيمة الثقافة وبناء مجتمع المعرفة، لبناء الإنسان الواعي والمثقف ليكون عماداً رئيسياً لنهضة الوطن.
ولفتت الدائرة إلى أن أبوظبي قد حققت العديد من الإنجازات الثقافية الرائدة على مختلف الصعد، وفي مقدمتها مجالات الفنون والمتاحف والثقافة والتاريخ الإنساني، لتكون بذلك وجهة للتراث والفكر وحاضرة ثقافية عالمية.
أربع جلسات
وشهدت فعاليات أمس عقد أربع جلسات نقاشية، جاءت الأولى بعنوان «تأثير الحضارة العربية في الثقافة الأوروبية (الإسبانية والإيطالية)» وأدارها أ.د. صلاح جرّار بمشاركة د. بلتاجي أحمد محمد، ود. أنتونيلا كيريستي، ود. أيمن محمد ميدان، حيث تمت مناقشة ثلاث أوراق: «التأثيرات العربية في الأدب الإسباني شكلاً وموضوعاً ولغة»، و«الحروف العربية والنصوص السردية الإيطالية المتبادلة»، و«فن المقامات العربية في قصص الشطار الإسبانية».
وأدار الدكتور بلال الأرفه لي الجلسة النقاشية الثانية: «الصلات لحضارية ورحلة المخطوطات من الشرق إلى الغرب (إيطاليا واسبانيا)»، وذلك بمشاركة د. عبدالرزاق مرزوك، ود. مايتي بينالس، ود. إيدا زيلو جراندي، ود. محمد كامل جاد. وتناولت الجلسة أربع أوراق هي: «أوائل المخطوطات العربية المطبوعة في إسبانيا»، و«انتقال المخطوطات الأندلسية بين ضفتي المتوسط وانتشارها»، و«أهمية التبادل الأدبي بين الشرق والغرب من خلال التركيز على الكوميديا الإلهية لدانتي»، و«قراءة في جهود دولة الإمارات في الحفاظ على المخطوطات والعناية بها».
وتناول المشاركون بالجلسة الثالثة جهود الاستشراق الإيطالي والإسباني في تحقيق التراث العربي، وأدارتها عائشة عبيد المهيري، بمشاركة د. محمد محمد عليوة، ود. عبدالرحيم الشارفي، ود. مهران محمود الزعبي، ود. حسام أحمد مختار العبادي، ليستعرضوا أربع أوراق هي «جهود المستعربين الإسبان المعاصرين في تحقيق التراث العربي»، و«أثر الاستشراق في تكوين العلاقة بين الغرب والمخطوطات العربية وتطويرها»، و«المستشرق الإسباني فرانسسيكوا كوديرا 1836 - 1917 وجهوده في نشر التراث العربي في إسبانيا»، و«تأثير تحقيق التراث الأندلسي على البحث العلمي في إسبانيا».
وعقدت آخر جلسات اليوم الأول من المؤتمر بعنوان «المخطوطات العربية في إيطاليا وإسبانيا»، وأدارها د. موسى الهواري، بمشاركة أ.د. صلاح جرّار، ود. مريزن سعيد عسيري، ود. مراد تدغوت. وناقشت الجلسة أوراقاً بحثية بعنوان «المخطوطات العربية المترجمة في حقل الأدب»، و«صناعة المخطوطات العربية في الأندلس: قيم ثقافية وأبعاد جمالية»، و«معهد الترجمة في طليطلة وأثره في الطب والعلوم في أوروبا»، و«الترجمات الأوروبية لبعض الكتب العربية في الطب».
خدمة الثقافة
وفي لقاء لـ«الاتحاد» مع د. صالح محمد المسند، مدير مركز الفهرس العربي الموحد في المملكة العربية السعودية، تحدث عن فهرسة المخطوطات قائلاً: أنشئ المركز العربي الموحد للمخطوطات لخدمة الثقافة العربية والإسلامية، وهو يُعنى بالإنتاج العربي الفكري بجميع أشكاله، ومن ضمنها المخطوطات، وأنا حرصت على حضور هذا المؤتمر الدولي الثالث لأهميته من خلال التعرف على المختصين والمسؤولين عن أقسام المخطوطات في العالم العربي وفي أوروبا وغيرها لإغنائهم بالاطلاع على تجربة الفهرس العربي الموحد في فهرسة المخطوطات العربية، ولدى خبراء المركز في المملكة خبرة لا تقل عن عقدين من الزمن في التعامل مع المخطوطات العربية، سواء كان ذلك من حيث تنظيمها وفهرستها، وأيضاً إتاحتها رقمياً في المكتبة الرقمية العربية الموحدة، لأننا نطبق قواعد RDA وهي قواعد جديدة تطبق في المكتبات العربية والعالمية، وهي مناسبة للبيئة الإلكترونية. وهذه القواعد فيها تفاصيل تخص المخطوطات العربية وكيفية تنظيمها وإتاحتها.
حوار ثقافي
أما شيخة المهيري، مدير إدارة المكتبات في دائرة الثقافة والسياحة-أبوظبي، فقد تحدثت عن مؤتمر المخطوطات بنسخته الثالثة في أبوظبي مشيرة إلى أن هذه النسخة تركز على تأثير وجود العرب في الثقافة الأوروبية، وأوضحت قائلة: إن هذا التأثير يظهر في نواحٍ مختلفة، يبدأ باللغة التي كانت لغة الحكم كما كانت في إسبانيا، وسادت اللغة بسبب التعليم، وأنشأت لهجة عربية أندلسية، وأيضاً لهجة عربية صقلية في إيطاليا. وأضافت المهيري أن نتاج ذلك تحول إلى الاهتمام بالحوار الثقافي والمعمار الذي ظهر في تطوير الخط العربي الكوفي، والخط الأندلسي ومجموعة من الخطوط الأندلسية الجميلة، كما ظهر أيضاً في المعمار والمباني وفي الزخرفة العربية. وبسبب ترجمة الأعمال الفلسفية والعلمية وتداولها انتقل إلى الحوار الديني، لأن هناك حواراً بالدين نفسه وحواراً ما بين الأديان، ثم انتقل بعد ذلك إلى الموسيقى والشعر ليظهر هذا التأثير في فن الزجل وفن الموشحات الذي انتشر في الأندلس، كما أثر في الشعر الإيطالي، مبينة أن تأثير هذه الموسيقى ما زال موجوداً في الأندلس، كما أنها تقدم في العالم العربي. وأكدت المهيري أن هذا التأثير ظهر في العلوم وفي الترجمات التي تلقوها من اليونان ونقلت إلى اللغات الأوروبية والعربية وساهمت في عصر النهضة.