ساسي جبيل (الاتحاد)

«هذا فرحي الرابع بالوصول إلى القائمة الطويلة في الآداب لـ«جائزة الشيخ زايد للكتاب».. بهذه الكلمات بدأ الشاعر والروائي المصري أحمد الشهاوي حديثه لـ«الاتحاد»، معبراً عن سعادته، ومشيراً إلى أن الترشح واختيار أعماله يعد فوزاً وتكريماً نظراً لما تمثله الجائزة من قيمة ومكانة عربية وعالمية.
يقول الشهاوي حول الكتابة واختيار النوع الأدبي: أنا لا أكتبُ إلا عمَّا أعرف، ولا يستطيعُ أحدٌ أن يجبرَني على كتابة شيءٍ لا أريدُه. أنا أختارُ الجنسَ أو النوعَ الأدبيَّ ثم بعد ذلك أحدِّد الشكلَ والأسلوبَ بشكلٍ عفْويٍّ وتلقائيٍّ حسبما تقودُني رُوحي إلى ما أراه مناسباً لطبيعتي القلقة والحادسة والرائية ما وراء الأفق والأشياء، وما تقتضيه الحالُ في الزمن الباطني الذي أعيشُه، ولستُ مضطراً لفعل غير ذلك، فلا شيء يُفرضُ عليَّ، أو أُلجَأُ إليه، ولم أكُن في حاجةٍ أو ضرورةٍ لكتابة الرواية، إلا للتعبير عمَّا بداخلي من عوالم ظهرت أجزاءٌ منها في الشِّعر الذي نشرتُ بشكلٍ آخر، ولكنَّني كنتُ أحتاجُ إلى البناء والفيض اللذين ظلا يدركانني لوقتٍ طويل، والاضطرار لغوياً هو (الشدة التي لا دافع لها إلا ما اضطر إليه)، وأنا -حقيقة- لا أعاني من مأزق في الشِّعر، كي أخَيَّرُ بين الأجناسِ أو أفَضِّل بعضَها على بعض، ولستُ في شدَّةٍ كتابيةٍ، بل تسير أموري الشعرية بشكلٍ مُنسابٍ وطبيعي على مستوى التحقُّق الشخصي داخل لغتي، وترجمةً في اللغات الأجنبية. وأنا لستُ من رافضي قراءة الرواية كما يفعل عدد ليس قليلاً من الشُّعراء على رأسهم أدونيس، ولم أكن يوماً في حال الاضطرار إلى التخلّص من جنسٍ أدبيٍّ هو الشِّعر، والذهاب إلى جنسٍ أدبيٍّ آخر هو الرواية. 
وهذا الفصل التعسُّفي بين الأجناس هو في بلداننا العربية فقط، لأنَّ عدداً كبيراً من روائيي العالم لديهم أعمال شعرية كثيرة، خذْ عندك مثلاً الألماني جونتر جراس (حاز على جائزة نوبل في الآداب عام 1999) فهو روائي وشاعر وقبلهما هو فنان تشكيلي محترفٌ لديه آلاف الأعمال الفنية التي استخدم فيها تقنيات ووسائط ووسائلَ عديدة، إذن التنوُّع مهم وخلَّاق لدى من يكتب، وخصوصاً إذا كان مثلي قادماً من مناطق الحكي، والأساطير، والمرويات الشفهية، والخرافات، والريف الثري بعوالمه المدهشة في غرابتها وعجائبيتها.ويضيف الشهاوي: أنا ابن الاختيار، حيثُ لا أفضل جنساً على آخر، بل أنا إنسانٌ تُرِكَ لَهُ حُرِّيَّةَ الاخْتِيَارِ، ليكتب ما يحب، ولكن في المقابل أخذتْ مني روايتي الأولى «حجاب السَّاحر» -التي ليست هي الأولى في الحقيقة، بل سبقتها روايةٌ أخرى لم تنشر بعد- أربع سنوات من الكتابة والتردُّد، والحذف، والمُساءلة الشخصية، والمُراجعة، ولكنني خلال هذه السنوات الأربع نشرتُ أربعة كتب في الشعر، وأدب العشق، والأدب الصوفي، وبالطبع لم أكن أشتغل طوال الوقت في الرواية التي أنجزتُها ما بين القاهرة وآريزونا في الولايات المتحدة الأميركية.

مصداقية الجائزة
في إجابة عن سؤال حول عمله الروائي «حجاب الساحر» واختياره ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الآداب، يجيب الشهاوي: الذين اندهشوا من أن روايتي «حجاب السَّاحر» قد دخلت القائمة الطويلة لجائزة زايد للكتاب، فرع الآداب من بين مئات الأعمال التي تقدم بها أصحابها إلى هذا الفرع، في أول إصدار روائيٍّ لي، لا يعلمون أنني دخلت هذه القائمة من قبل ثلاث مرات عن أعمالي الشعرية: «سماءٌ باسمي»، «لا أراني»، «ما أنا فيه»، وهي أعمال صدرت جميعاً عن الدار المصرية اللبنانية ناشرة كتبي، بمعنى أن هذه هي المرة الرابعة لي. والجائزة بشكلٍ عام مُحفِّز للكاتب، وتلفت انتباه مُجايليه، والنقاد، والقرَّاء إلى منجزه، وخصوصاً إذا كان لها مصداقية مثل «جائزة الشيخ زايد للكتاب»، التي أراها مهمة في التنبيه، والتعريف، والإشارة التي يستحقها المبدع، والوصول إلى القائمة الطويلة هو في حد ذاته جائزة. فروايتي «حجاب السَّاحر»، صدرت الطبعة الثانية منها في الشهر الأول لصدورها، وبعد إعلانها ضمن القائمة الطويلة للجائزة صدرت طبعة ثالثة، وما يهمني حقيقة هو أن يُقْرَأ عملي الروائي، لأنني كتبته بتأنٍّ وحبٍّ ولم أكن أسعى إلى شيء سوى تحقيق المتعة لي ولمن يقرأ، وأن أقدِّم خبرة ومعرفة وعالماً ربما لم يصادفه الناس من قبل.

كتابة بلا وصايا
يختتم الشهاوي حديثه بإلقاء الضوء على تعدد تجاربه الإبداعية، قائلاً: عندما رسمت كنت شاعراً يرسمُ بشروط التشكيل الذي لا شروطَ له سوى الخلق والابتكار والذهاب إلى مناطق جديدة. وكذلك عندما رحتُ إلى الرواية كنت شاعراً يسرد بشروط السَّرد الذي لا شروطَ له، إذْ هناك ألفُ شكلٍ وشكل لكتابة الرواية ولا يوجد مانفيستو، أو وصايا لكتابة أي عمل، حيث سيأتي بعدنا من يخلقون أشكالاً أخرى جديدة ذات أبجديات ثانية في الجماليات، وأنا دائماً ما أقول: هناك في الشعر شعريات كثيرة تتجاور جمالياتها، وليس شعرية واحدة، فالمنطق هو أن يكتب الكاتب فقط بصدق تقوده خبراته وتجاربه، من دون أن يغفل القاعدة الذهبية التي أتبناها: اكتبْ عمَّا تعرفُ فقط، اعملْ على أن يكون حرفُكَ صادقاً وحمَّالَ أوجه، جرِّب ولا تخش شيئاً، ابتكرْ وغامرْ، ولا تتبع سواكَ، وسائِلْ نفسك، واحذفْ ما تراه زائداً، لأن في الزيادة نقصاناً وعسر هضم للنص.