إبراهيم الملا (الشارقة)
ضمن الفعاليات الثقافية بمعرض الشارقة للكتاب 41، ووسط جلسة نقاشية أقيمت مساء أمس الأول بقاعة الفكر بمركز إكسبو الشارقة، واكتست بطابع حميمي توّجته الانتباهات العميقة لروح الأماكن العتيقة في رأس الخيمة بما تمتلكه من سحر مشهدي واكتناز وجودي، تحدث الدكتور حمد بن صراي عن كتابه الجديد: «علي أبو الريش، في دروب الحياة.. ومسالك الأدب»، واصفاً الكتاب بأنه ثمرة جهد استقصائي كبير ومتشعب تطلّب منه قراءة كل روايات على أبو الريش التي وصل عددها إلى 22 رواية، إضافة للحوارات والمقابلات الشخصية المكثّفة، وتتبّع السيرة الحياتية الثرية لعرّاب الرواية الإماراتية.
جاء ذلك في الندوة التي حضرها الروائي الكبير علي أبو الريش وأدارتها الأديبة الدكتورة فاطمة المعمري، وتفاعل مع تفاصيلها الثقافية وأبعادها الإنسانية لفيف من الأدباء والكتّاب والمهتمين.
وأشارت المعمري في بداية تقديمها للجلسة إلى أن الدكتور حمد بن صراي مؤرخ إماراتي وباحث في التراث ومستشار ثقافي، وعضو في العديد من الجمعيات المتخصصة بالتاريخ والآثار، بينما استشهدت في وصفها للأديب علي أبو الريش بمقولة للشاعر الراحل حبيب الصايغ، وهي: علي أبو الريش كبيرنا الذي علّمنا السحر: سحر الكلمة وسحر المُفرَدَة وسحر الكتابة، وكما يقول أحد الأدباء الروس لقد خرجنا كلنا من معطف (غوغول)، فإننا نقول إننا خرجنا من معطف رواية (الاعتراف) باعتبارها الرواية الفارقة في تجربة (أبو الريش) الجامحة والاستثنائية.
وبدوره، قال الدكتور حمد بن صراي إن إصداره الجديد اعتمد فيه على أربع ركائز، الأولى هي: الرواية الشفهية من خلال لقاءات مسجّلة مع علي أبو الريش، وتضمنت المقابلة نظرة شاملة لنشاطات وأعمال وسيرة الأديب أبو الريش، والركيزة الثانية تمثّلت في المراجعة التوثيقية للمجلات والمقابلات الإعلامية والصحافة المحلية، والثالثة المصادر والمراجع الخاصة بالإنتاج الروائي في الإمارات، أما الركيزة الرابعة فكانت قائمة على قراءة روايات أبو الريش والاطّلاع على إصداراته الأخرى غير الروائية.
سير سابقة
وأوضح ابن صراي أنه تناول سابقاً السيرة الذاتية لمبدعين راحلين، هم: الشاعر أحمد راشد ثاني، والقاصّة: مريم جمعة فرج، والباحث البحريني في مجال التراث الشعبي: عبدالجليل السعد، وقال: «كان الجدال بيني وبين هؤلاء الراحلين قد انقطع أثناء الكتابة عنهم، أما الكتابة عن سيرة الحاضرين والأحياء فهي أصعب».
مضيفاً: «أردت أن أكتب عملاً متكاملاً عن أبو الريش، وحاولت أن أكون مؤرخاً محايداً وموضوعياً، رغم قربي الشديد من أبو الريش وصداقتي الممتدة معه في أرض الطفولة برأس الخيمة، وفي مسارات الحياة الأدبية والمهنية لاحقاً».
وأشار ابن صراي أن آخر لمسة وضعها على الكتاب هي العنوان، لأنه يمثل في كلمات مختصرة هوية العمل ومحتواه وخطوطه الكبرى، وقال: «اخترت كلمة دروب لأنها تمثل الشكل التجسيدي للمغامرة الحياتية التي عاشها أبو الريش، أما كلمة مسالك فتوحي بالمغامرة الفكرية والتجربة الروحية والأسفار الذهنية التي ترجمها أبو الريش بشكل جمالي وآسر في أعماله الأدبية ونتاجاته الروائية».
ونوّه ابن صراي إلى أنه استخلص عدة جوانب وحقول معرفية من روايات أبو الريش، منها الجانب التراثي، والجانب الأدبي، والجانب التاريخي، فقسّم الكتاب إلى موضوعات مستقلة تصدّرتها هذه الجوانب وبشكل منفصل ومفصّل، مشيراً إلى أنه لم يتعامل مع الكتاب من زاوية فلسفية أو أدبية أو تحليلية أو نقدية، ولكن لكونه مؤرخاً فقد تناوله في سياق توثيقي حول المناطق والأماكن الحميمية التي انغمس فيها أبو الريش وعاصرها وكان شاهداً على تحولاتها، مثل منطقة «معيريض» و«شعم» وغيرهما من المناطق الأثيرة بجلفار، وجسر رأس الخيمة الذي وصفه أبو الريش بأنه بات مثل العجوز التي احْدَوْدَبَ ظَهرُها، وكذلك المقاهي الشعبية هناك، والشواهد التراثية والتاريخية الأخرى، إضافة لمعالم القاهرة التي احتضنته أثناء دراسته الجامعية، وغير ذلك من الانعطافات والمسارات المحورية في سيرته الحياتية وتجربته الإبداعية، المتشكّلة في أفق إنساني رحب، ومتعدّد بمراحله وأنساقه وتطوراته.
الدوائر المتداخلة
وقال ابن صراي إنه اعتمد في كتابه على جغرافية الدوائر المتداخلة، حيث ابتدأ من الدائرة الصغرى وهي منطقة «معيريض» ثم دائرة رأس الخيمة، وبعدها دائرة الإمارات، وصولاً للدائرة العربية، ثم العالمية.
أما علي أبو الريش الضيف المحتفى به في الجلسة، فقد أشار في إجابته على سؤال يتعلق بالمسافة التي باتت تفصله عن الشعر، بعد هجرته النهائية إلى الرواية، قائلاً: «إن ما يجيش بداخلي لا يتّسع للشعر، والرواية بالنسبة لي باتت هي الفضاء التعبيري الأوسع والأكثر رحابة»، واستدرك: «لا أفضّل الرواية على الشعر، لأن الشعر العربي نفسه يتضمن روايات وقصصاً، كما أن القصيدة تظل بنت اللحظة المدهشة والمتوهجة في ذاتها ولذاتها، بينما الرواية تُبنى على التراكم السردي للوقائع والأحداث والشخصيات، وهو أمر لا يَحْتِمله الشعرُ».
وأكّد أبو الريش أن كل إنسان هو روائي بالفطرة، ويحمل بذرة السرد في داخله، مشيراً إلى أن البشر اختبروا ثورات كونية كبرى قبل أن يعثروا على كنز (الخيال) هذا الخيال الذي أنقذهم من الحيرة الوجودية وجعل لحياتهم معنى، فتآلفوا مع الغموض المحيط بهم، وأصبحوا قادرين من خلال التأمل على تفسير ظواهر الطبيعة والتصالح معها، وكانت الرواية إحدى الوسائل الوظيفية والخيالية التي استطاع الإنسان من خلالها ترويض مخاوفه، وقال أبو الريش: نحن بحاجة للرواية ليس في الإمارات وحسب، ولكن في العالم كلّه.