نوف الموسى (دبي)

إعادة ابتكار الأشكال المهنية في القطاعات الإبداعية والثقافية، إنما هي بحد ذاتها فعل إبداعي، يتطلب فضاء عاماً، وأدوات تفاعلية متجددة بين الفرد والمؤسسة، حيث لم تعد الصياغة التقليدية التي ترى مقدرة الفرد على أن يكون موظفاً اعتيادياً في القطاع الإبداعي، لغة مستساغة في البيئات التنموية، بل يتطلب الأمر أن يتجاوز التفكير في العمل الثقافي نحو إمكانية إدراك العاملين في القطاع عمليةَ بناء مسارات معرفية قائمة على روابط معرفية واجتماعية، وفهم لمعنى التطور في العملية التراكمية لمضامين المشاريع الثقافية في المجتمعات المحلية. فكل مجتمع ثقافي بمختلف قطاعاته الإبداعية، يمتلك سمات خاصة، وتراكمية تاريخية وحضارية تحتم على الباحثين رصد تحولاتها، والانتقال بها إلى مناحٍ أكثر انفتاحاً واستيعاباً لمختلف المتغيرات والتحديات الراهنة.
«برنامج تجمع المهن الإبداعية» الذي نظمه مركز جميل للفنون، بالتعاون مع وزارة الثقافة والشباب، وبمشاركة مجموعة واسعة ومتعددة من المؤسسات الثقافية والفنية، بمثابة مستقبل المنصات الإبداعية القادرة على بيان التوجهات العامة للطلبة والمهتمين في القطاع الثقافي والإبداعي، من خلال فتح مساحات حوارية ونقاشية، تؤصل جوهر العملية الثقافية.
ولم يكن بحث الطلبة والمهتمين بالقطاعات الثقافية والإبداعية، مقتصراً على وظيفة أو عمل بدوام كامل، فالهدف الرئيسي من «برنامج تجمع المهن الإبداعية» أن يلتقي جمهور الحدث بالفنانين، ويستمعوا إلى شروح المؤسسات وهي تتحدث عن البنى الثقافية للهوية الإبداعية، وكيف تواجه تحدياتها ومخاطرها، إنها عملية مُلهمة في سبيل تطوير القطاع الثقافي، والبحث حول هذه اللقاءات كما أشارت أنطونيا كارفر، المديرة التنفيذية لمركز جميل للفنون بدبي.

التفكير والتشكيل
هما الخطوة الأولى في إحداث مساحات للوصول والالتقاء، لتبادل الأفكار والخبرات، إنها ممارسة مباشرة للعمل الثقافي، فكل شيء في هذا القطاع يتميز بأنه يقوم على الأسئلة، وفهم الأمور القابلة دائماً لإعادة التفكير والتشكيل، لكونها تمتلك ميزة تأويل عالية، فالجميع في الثقافة يمتلكون خيارات عديدة، وكذلك تصورات متنوعة، ولا شيء هنا محدود، وهنا تكمن الدهشة في الممارسة الثقافية اليومية، فأنت تحصل كل يوم على إجابة جديدة ومختلفة.
وأضافت أنطونيا كارفر مفهوماً مهماً في حديثها حول البيانات الثقافية والفنية المفتوحة، ومدى حاجتنا لتوسيع نطاق إتاحتها لأكبر عدد ممكن من الراغبين في العمل بالقطاع، وتأسيس قاعدة بيانات لإبراز الممارسات الفنية والثقافية الحديثة، خاصةً أن العملية الإبداعية أفرزت مهناً ثقافية وفنية تفصيلية، نتيجة التطور المذهل الذي يمر فيه قطاع الصناعات الإبداعية والثقافية.

سرد القصص
تخرج الفنان راشد المهيري -أحد المشاركين في البرنامج- في تخصص مرتبط بـ«التصميم الجرافيكي»، بمجال الفنون البصرية، إلا أن مروره بتجربة إبداعية من خلال العمل على مشروعات لمعارض فنية في المؤسسات الثقافية، من بينها مركز جميل للفنون، فتحت له أفق اكتشاف إمكانيته على «سرد القصص» من خلال الفن، وبالأخص في ما أسماه بـ«التجارب الشعرية»، مبيناً في حواره لـ«الاتحاد»، أن أكثر ما يحتاجه الفنانون الشباب، هو منصة تستوعب أصواتهم الإبداعية، وتدرك قيمة مناقشة ما يطرحونه من أفكار.

اللغة المرئية
عملت ديما أبو زناد -إحدى المشاركات في البرنامج- في قطاع تنظيم المعارض، ومجال عملها يتركز على صياغة الكتابة الفنية، حيث تقدم شرحاً مختزلاً ودقيقاً عن الأعمال الفنية في المعارض، من خلال التعريف بالعمل الفني عبر لغة تصل للمتلقي العادي، وأوضحت ديما أن الفن التشكيلي على سبيل المثال، يحمل أبعاداً مختلفة، على مستوى الأفكار والتقنيات، ولإيصال الفكرة المبسطة عن جوهر العمل، فإن الأمر يتطلب فهماً للعلاقة البصرية بين المتلقي والأعمال، وتقتضي مهمتها في إتمام العملية الإبداعية ككل أن تدرس جل هذه الأبعاد البصرية وتحويلها إلى لغة تصل لعموم الناس.

منصات واقعية
ذهب إيليا أكيموف محاضر ومساعد إنتاج في معرض الفنون بجامعة نيويورك أبوظبي -أحد المشاركين في البرنامج- إلى أن هناك اليوم الكثير من المنصات الاجتماعية التي يعرض فيها الفنانون أعمالهم الفنية، ولكن في المقابل ازدادت الحاجة من قبل هؤلاء الطلبة والمهتمين الذين أنتجوا أعمالاً فنية، إلى البحث عن منصات واقعية، رغبةً منهم في التواصل المباشر والحيّ مع الجمهور، لقراءة ردود الفعل، ومناقشة الأفكار المطروحة، ومن هنا تأتي أهمية «برنامج تجمع المهن الإبداعية»، في إدراك حاجة المجتمع المحلي، وطبيعة العلاقة التي تربطه بالمنصات الإبداعية.