سلطان الحجار (أبوظبي)
«ساق البامبو»، رواية تتكون من (398) صفحة، من تأليف الروائي الكويتي سعود السنعوسي، الذي فاز عنها بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) عام 2013، تسجل تواريخها بين الفلبين والكويت، وتتناول بعض القضايا والأحداث التاريخية والسياسية والدينية، وتُرجمَت إلى الإنجليزية والإيطالية والفارسية والتركية والصينية والكورية والرومانية والكردية والمقدونية والفلبينية والصومالية، والكرواتية.
وصفت لجنة التحكيم الرواية الفائزة حينها، بأنها «محكمة البناء وتتميز بالقوة والعمق، وتطرح سؤال الهوية في مجتمعات الخليج العربي»، واعتبرتها أفضل رواية تُنشر خلال عام 2012، كما اختيرت ضمن أفضل 100 رواية عربية بتصنيف مجلة «بانيپال» البريطانية 2018.
الرواية تطرح بجرأة، قضية الهوية الإنسانية والانتماء بأشكاله كافة، سواء الانتماء لثقافة أو دين أو أرض معينة، والصراع الداخلي الناجم عن ذلك، وأهم ما يُثير الاهتمام بـ«ساق البامبو» هو عنوانها الغريب والملائم في الوقت نفسه للفكرة التي يريد الكاتب إيصالها، إذ إنّ نبات البامبو الذي ينبت في أي مكان بلا جذور كان مُعبّراً بدقّة عن ضياع هوية البطل الذي كان طيلة الأحداث يشعر أنّه لا توجد له جذور أو انتماء لمكان معين.
ضياع الهوية
يُلاحظ أنّ الأمكنة في الرواية اختيرت بعناية، إذ إنّها عبّرت بدقّة عن حيرة البطل، ما شكّل لديه صراعاً نفسياً كبيراً، وحالة من التيه التي تؤلم النفس، وتدور أحداثها بين عدد من الشخصيات الرئيسة، وهي عيسى بن راشد الطاروف (جوزيه ميندوزا)، وهو بطل الرواية، والقوة الفاعلة في النص، ويُلاحظ أنّ البطل يحمل اسمين، (عيسى) بالعربية، و(جوزيه) بالفلبيني، وهذه الازدواجية في الاسم تؤكد ضياع هويته وجذوره، وكان عيسى يقوم بدور الراوي، وقدّم لنفسه وصفاً مباشراً في البداية، وعبّر عن حيرته ورغبته في الانتساب إلى اسم واحد وهوية واحدة ودين واحد.
راشد الطاروف (والد عيسى)، كويتي من عائلة عريقة يعمل في المجال العسكري، وكان رجُل العائلة الوحيد، تزوج من الخادمة الفلبينية وأنجب منها عيسى، لكن عادات المجتمع حالت دون قيامه بدور الأب لعيسى وتأمين حياة مستقرة له.
أما جوزافين (والدة عيسى)، فكانت فقيرة وعلى قدر يسير من العلم والمعرفة، وكانت تدين بالديانة المسيحية، وكانت غنيمة (جدة عيسى)، أرملة في الخمسين من عمرها، تسمى (السيدة الكبيرة)، وهي امرأة قوية ومتسلطة يهابها الجميع ويخشون من غضبها، لكنها في الوقت نفسه تهاب كلام الناس ونظرة المجتمع.
وخولة (أخت عيسى من أبيه)، كانت فتاة مثقفة وثرية، حاولت أن تساعد عيسى للاندماج مع الأسرة، لكن تقع تحت سيطرة المجتمع ونظرته غير الإنسانية.
فيما كان غسان (صديق راشد)، رجلاً كويتياً من فئة البدون، أي الذين لا يحملون الجنسية الكويتية مع أنهم يعيشون في الكويت من عقود طويلة، ويلاحظ في قصته وجود خيوط مشتركة مع قصة عيسى.
أما هند وعواطف ونورية، فهنّ أخوات (راشد الطاروف/ عمّات عيسى)، وكان لكلّ واحدة منهنّ موقف متباين من قضية عيسى ابن أخيهن راشد، هند كانت مع عيسى، نورية كانت ضدّ عيسى، وعواطف كانت مُحايدة.
وكان ميندوزا، من الشخصيات الثانوية وهو (جدّ عيسى لأمّه)، وكان رجلاً مُحيّراً بالنسبة لعيسى، وقد وصفه بشكل دقيق، ووصف مُغامراته وصراعاته مع الدِيكة.
وآيدا (خالة عيسى)، قد دفع الفقر والجوع والديها إلى استخدامها وسيلةً للعيش، ولو على حساب صحتها الجسدية والنفسية، وكانت تكره حديث والدة عيسى عن والده راشد، ولا تكفّ عن السخرية من جميع الرجال.
صدمة عاطفية
ويطرح المؤلف سعود السنعوسي، ضمن أحداث روايته، قصة راشد الذي حالت التقاليد الاجتماعية دون زواجه من فتاة أحبها، فعاش في صدمة عاطفية، الأمر الذي أدى إلى دخوله في تجربة عاطفية مع الخادمة التي تعمل لديهم، انتهت بزواج عُرفيّ والحمل بعيسى، وقد لاقى ذلك غضباً شديداً ورفضاً قوياً من أم راشد (غنيمة) التي طلبت من ابنها التخلّي عن زوجته وابنه، واصفة ما فعله بوصمة عار للأسرة وسُمعتها.
تعود جوزافين وابنها عيسى إلى الفلبين، فينشأ عيسى بين أسرة فقيرة ويعيش حالة من التيه والتفكك، لكنه يبقى على أمل العودة في يوم ما إلى موطن أبيه، لتتوالى الأحداث والصراعات مع عيسى في محاولة إثبات هويته.
يعيش عيسى الطاروف حياة مفككة في الفلبين، فهناك من ينصحه بالعودة إلى الكويت، وآخر ينصحه بالبقاء في الفلبين حيث الحريّة والمتعة، لكنّ الحياة البائسة التي كان يحياها عيسى في الفلبين، تشكّل له الدافع للرجوع إلى والده والعيش في الكويت.
بالأخير، يتمكّن عيسى الطاروف من العودة إلى الكويت بمساعدة من صديق والده (غسان)، لكنّ العودة لم تكن كما يحلم عيسى، إذ يصل يوم وفاة أمير البلاد، ويكتشف أنّ والده (راشد) قد توفّي بعد أسره في حرب الخليج، ولم يلقَ القبول للانضمام إلى عائلته، فجدّته (غنيمة) بقيت على موقفها من رفضه والاعتراف به، ورتّبت له ملحق البيت كالخدم، لتنقسم العائلة بين مؤيد للاعتراف به وبين رافض.
وقد اتسمت رواية «ساق البامبو» بعدد من الخصائص والسمات، منها التضاد في ترسيخ الفكرة التي يُريد إيصالها الكاتب، وما يعيشه البطل من اضطراب في الهوية الإنسانية، وإبراز حجم المعاناة النفسية التي يعيشها، وتمزقه إلى أشلاء في ظل الحياة بلا هوية محددة.
ومن العبارات المؤثرة بين سطور الرواية، ما قاله عيسى محدثاً نفسه: «أثبت لنفسك قبل الآخرين من تكون.. آمن بنفسك يؤمن بك من حولك، لأول مرة أشعر بأنني وحيد، وبأنني أملك مصيري بيدي.. شعور بالفزع انتابني حين شعرت بأن لا ملجأ إليّ.. سواي».
دراما مشوّقة
في عام 2016، ظهرت أحداث رواية «ساق البامبو» بالاسم نفسه، على الشاشة الصغيرة في مسلسل اجتماعي مشوق وغامض، بطولة سعاد العبد الله (غنيمة)، شجون الهاجري (نور بنت نورية)، فاطمة الصفي (هند)، مرام البلوشي (نورية)، الممثل الكوري الأصل ونجم «ستاند أب كوميدي» وون هو تشونغ «عيسى، خوسيه» (ابن راشد)، ميرسيدس كابرال (جوزفين)، رين إسكانو (ميرلا)، ريم ارحمة (عواطف)، فرح الصراف (خولة بنت راشد)، فيصل العميري (غسان)، عبد الله البلوشي (ابن نورية)، وعبد المحسن النمر (راشد والد عيسى)، إضافة إلى نواف الفجي، جاسر العياف، أنس الشيخ، حسن الرئيسي، وروان محمود، وغيرهم، ومن الفلبين سوناينا هاريش فارما، ماري جاين كاروز بيروج، وعمر باشا، وغيرهم، والمسلسل قصة ومعالجة سعود السنعوسي، سيناريو وحوار رامي عبدالرازق، وإخراج محمد القفاص، في حين قام بغناء وتلحين «شارة» المسلسل عبادي الجوهر، والموسيقى التصويرية لجمال القائد، وإشراف درامي محفوظ عبدالرحمن.
قضايا شائكة
«ساق البامبو» دراما تلفزيونية اجتماعية كشفت قضايا حساسة من قبيل العنصرية وإساءة معاملة العمالة الآسيوية والنظرة الدونية للبدون، وفضحت إشكالات العلاقة التي تنشأ بين الخادمة ومخدومها وقضايا الحب في الخفاء بسبب القيود التي تفرضها العادات والتقاليد العربية.
ويعد المسلسل نقلة نوعية في الدراما الخليجية، حيث أخرجها من عالم القوالب الجاهزة ونمطية الصورة والمواضيع التي اعتادها المشاهد العربي في المسلسلات الخليجية، وكانت هذه المواضيع الشائكة في «ساق البامبو» هي العناصر التي جذبت المشاهدين والنقاد على حد سواء لمتابعة المسلسل والإشادة به وبأداء الممثلين، خاصة منهم الممثلة القديرة سعاد العبد الله التي اتفق الجميع على إتقانها لدورها، والتي قال فيها النقاد إنها كتبت من خلاله تاريخاً جديداً لها ولمسيرتها الفنية الحافلة بالأعمال الناجحة.
وتركز أحداث المسلسل على مصير أولئك الأبناء الذين يولدون بملامح آسيوية لآباء خليجيين، فلا يعترف بهم أي من المجتمعين، حيث يبقى عيسى في هذه الدوامة ليقرر في النهاية - بعد أن اقتنع أنه لا مكان له هنا- مغادرة منزل العائلة والاعتماد على نفسه، ليعود إلى الفلبّين ويتزوّج من ابنة خالته.
طرح جريء وأسلوب رشيق
سعود السنعوسي كاتب وروائي كويتي عربي معاصر، وُلدَ في الكويت عام 1981م، ويعدُّ اليوم واحداً من أشهر الروائيين في العالم العربي، خصوصاً بعد حصوله على الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» عن روايته «ساق البامبو» عام 2013، وهو عضو في جمعية الصِّحافيّين الكويتيين، وعضو في رابطة الأدباء في الكويت.
وتُعد «سجين المرايا» هي أول رواية للسنعوسي والتي نُشرت عام 2010م، إضافة إلى رواية «فئران أمي حصة»، وتدور أحداثها حول الأزمة الطائفية التي ضربت المنطقة في تلك الفترة، بداية من الثورة الإيرانية ثم حرب الخليج الأولى، وحتى غزو العراق للكويت عام 1990.
عمِل السنعوسي في الكتابة في عدد من المجلات والصحف في الكويت وفي دول الخليج العربي عموماً، وكانت أول جائزة يحصل عليها عن قصته «البونساي والرجل العجوز» عندما حاز المركز الأول في مسابقة للقصة القصيرة أجرتها مجلة «العربي» الكويتية، بالتعاون مع إذاعة البي بي سي العربية، كما حصد جائزة «ليلى العثمان لإبداع الشباب»، و«جائزة الدولة التشجيعية في مجال الآداب»، وغيرها، كما حاز لقب «شخصية العام الثقافية» عبر جائزة محمد البنكي في البحرين عام 2016، كما تُرجمت بعض أعماله إلى عدد من اللغات منها الإنجليزية والإيطالية والتركية.
تميَّزت كتاباته بالعمق الإنساني، معتمداً على لغته السلسة وأسلوبه الرشيق وطرحه الجريء، حيث تناولت أعماله قضايا اجتماعية شائكة، منها العمالة ومشكلات الهوية والانتماء، إلى الطائفية وأسبابها غير الواضحة المعالم.